هذه الأرض لنا ولن نغادرها إلا بالعودة إليها هكذا قالوا مسيحيو غزة، لا فرق بين الناس في غزة فالكل قد تذوق الموت والكل قد فقد أعزاء له، انها الحرب العمياء التي لا تفرق بين دين ودين، جاء العيد المجيد في ليالي حزينة كحزن المسيح عليه السلام، فكانت الأجراس خافتة والأنوار مريضة كما لو أنها قبس ضئيل من نار بعيدة، هي الحرب المجرمة التي اقترفها الكيان الصهيوني، كيان يقتل كل فرح في الأرض ويكذب ثم يكذب بوقاحة غير معهودة، لكن العالم قد علم تماما بزيفه ومراوغاته البائسة.
رغم كل الردوم وما خلفته الحرب الدائرة الآن من خراب وقتل ودماء سيبقى الغزّي بكل فئاته ذلك الصقر الذي لا يروم سوى الأعالي.
يحتفل المسيحيون بعيد الميلاد المجيد في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وهو احتفال بميلاد يسوع المسيح، وكان عيد الميلاد المجيد في السابق يأتي في المرتبة الرابعة بعد عيد الفصح، وعيد العنصرة، وعيد إبيفاني، أما الآن فقد أصبح أهم عيد لدى المسيحيين خلال السنة.
فالمسيحيون في فلسطين اليوم في خضم الدم الذي سال في تراب الأرض المقدسة، دم في أرض القبلة الأولى للرسول صلى الله عليه وسلم.
فلسطين أرض السلام التي مكث فيها الأنبياء فكانت الأرض الطاهرة المحمية بأرواح أهلها، هي الأرض التي يشبه ترابها حنّاء الأمهات ومياهها طهارة لدنس الخطيئة، تعلو فيها الأجراس التي تدب في الناس الفرح بميلاد المسيح عليه السلام، فكانت أول كنيسة في العام 325 ميلادي، حيث طلب قسطنطين من والدته هيلينا بناء 3 كنائس هناك: كنيسة "أناستاسيس ومارتيريوم" (كنيسة القبر المقدس الحالية في القدس) في المكان المفترض لقبر يسوع بحسب المعتقد المسيحي.
ثم تلتها كنيسة أخرى في مكان عيد الصعود (كنيسة باتر نوستر الحالية على جبل الزيتون في القدس)، وكنيسة أخرى في بيت لحم "كنيسة المهد" مكان ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام.
في هذا العام تبدو شجرة عيد الميلاد أكثر صمتا، فهي التاريخ القديم للشجرة المباركة، حيث تم العثور على تقليد الشجرة في العديد من الثقافات القديمة؛ فكانوا يزينون شجرة، ويضعونها داخل المنزل اعتقاداً منهم أن ذلك يجلب لهم محصولاً جيداً في العام القادم، بينما اعتقد الإغريق والرومان أن والدة أدونيس قد تحولت إلى شجرة تنوب حيث كان أدونيس أحد فروعها الذي أحضرته الى الحياة.
لكن شجرة الميلاد التي صارت عنوانا للفرح وايذانا لحلول العيد المجيد، فهي رأس الطقوس وايقونة العيد البهيجة، وحضورها في الأرض كما لو أنها الروح التي تسري في الإنسان أينما حلّ، إلى جانب بابا نويل الذي يعود أصله إلى القديس نيكولاس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، والذي اشتُهر بتقديم الهدايا للأطفال لذلك أصبح يوم ميلاده يوم عطلةً للأطفال في هولندا التي عُرف فيها باسم سانت نيكولاس، ثم أطلق عليه المستعمرون الإنجليز في نيويورك اسم سانتا كلوز لأنهم لم يتمكنوا من نطق اسمه باللغة الهولندية، وبدأ الإنجليزيون الاحتفال بعد ذلك بهذا العيد في يوم عيد الميلاد.
أنه العيد المجيد في أرض التهاليل والغناء الرهيف، تلاوة من عنق الروح وموال ينسرب من وجه البحر الأزرق يغسل جذوع زيتونة يكاد زيتها يضيء، هواء لا رفث فيه ولا ضغينة، جاءت الصهيونية لتلوث قداستها لكن أهل فلسطين كانوا وما زالوا على قدر من العزيمة والايمان لحمايتها وحماية مقدساتها، وفي هذا العام صرح الملك عبدالله الثاني حول العيد المجيد قائلا:" في الوقت الذي يحتفي العالم بعيد الميلاد المجيد تغيب البهجة ويغيب السلام عن الأهل المسيحيين في الأراضي المقدسة، التي لا يمكن أن تنعم بالسلام في ظل عدوان غاشم على الأهل في غزة والتضييق على المصلين في القدس وبيت لحم. أمنياتنا بالسلام لإخواننا وأخواتنا المسيحيين في فلسطين والعالم" فكان للولاية الهاشمية على المقدسات صورة مشرقة تنم عن روح تنسل من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالهاشميون سطروا بدمائهم أسمى آيات المجد دفاعا عن أرض فلسطين، وللهاشميين سيرة عطرة في ترميم تلك الأماكن التي شهدت الطمانينة والسلام.
لم تزل فلسطين بوجودها الساطع والمقدس أحد محركات السؤال الغنساني الكبير في مواجهة فشل الحضارة في مجابهة القتل والابادة، لكن الصبر صورتهم المؤكدة وديدنهم في الحصول على الحرية، وجع سيقودهم إلى شمس أبدية، كما قال الراحل محمود درويش: "فإن أسباب الوفاة كثيرة من بينها وجع الحياة".