غزة .. نقطة الارتكاز الطويلة والهدنة المرغمة
صالح الشرّاب العبادي
24-12-2023 10:40 AM
تسابق القوات الإسرائيلية الزمن بقرارات المجلس العسكري المتخبط ، فجيش الاحتلال وبعد ان سحب جزء من قواته المنكسرة والمنهزمة من الثلث الشمالي من غزة ( غزة المدينة ) والتي بائت كل المحاولات لبسط سيطرتها الكاملة على تلك المنطقة بالفشل لغاية هذه اللحظة ، وخاصة كتيبة مقاومة الشجاعية التي لقنت لواء النخبة جولاني درساً ثانياً قاسياً بعد درس عام ٢٠١٤ ..
في العمليات الدفاعية هناك ما يسمى عمليات التراجع هدفها تحسين المواقف والمواقع اجل اعادة تنظيم القوات والبدء بهجمات معاكسة لأحراز شيء من النصر
ويعرف ايضا بعمليات الانسحاب وهي عملية تنفذ تحت قصف ونيران الطرف الاخر حيث تنسحب القوات من جراء شدة القصف والضربات محاولة تنفيذ عمليات انسحاب مدبر او مفاجيء او بالقوة ، وهناك ما يسمى بعمليات الإعاقة ، وهذه العمليات تقوم بها القوات بإعاقة قوات الطرف المهاجم باستخدام الإعاقة بالتناوب او بالتلاحق ..حيث تسند الوحدة التي تستخدم هذه الأساليب وحدة اخرى بالنار والنظر اثناء التراجع او الانسحاب او الإعاقة .
لم تستخدم القوات الاسرائيلية الجزء الشمالي من غزة اياً من تلك الأساليب التعبوية العسكرية ، بل استخدمت عمليات سحب وحدات بالكلية وبشكل مفاجيء.. خارج أرض المعركة بالمجمل ..
مسندة بقصف مدفعي وجوي كثيف ..
وهذا يدل على عدة أمور . اهمها ، خروج الوحدة العسكرية اياً كان حجمها فاقدك للأهلية العسكرية اي اصبحت غير مؤهلة او قادرة على الاستمرار بالقتال ..لما تلقته من حجم الخسائر الكبير بعديد القوات والعتاد والعدة … الأمر الذي استدعى سحبه بالكلية خوفاً من الإبادة بالمطلق .
في موازاة ذلك ، لا يزال جزء من القوات الاسرائيلية ( الدبابات ، والمشاة ) تتكبد امام المقاومة في المنطقة الشمالية ( الشجاعية، بيت لاهيا ، بيت حانون جباليا شمال غزة المدينة ، الرمال ، الرضوان شمال غرب غزة المدينة ، وأحياء مدينة غزة، التفاح والدرج والزيتون . .. )
تحولت العمليات الان إلى المنطقة الوسطى ، منطقة المخيمات ، ( النصيرات ، البريج ، المغازي ) والتي اصبحت هي ومدينة دير البلح ، الفاصل بين العمليات الشمالية والجنوبية ، تقصف بالطائرات بشكل منظم …
اما خان يونس، فهي كما تدعي الاستخبارات الاسرائيلية انها معقل المقاومة، حيث تجري فيها الان عمليات ضارية ، حيث تنفذ المقاومة حرب شوارع وحرب مناطق مبنية وعمليات خاصة وتنفيذ مهمات عسكرية نوعية ، مثل الكمائن والقنص ، والتفخيخ والجر إلى مناطق مناسبة للقتل ..
في المناطق الشرقية الجنوبية ( ابو ظاهر ، السميري ، القرارة ، بني سهيلة ، مناطق العبسان ، قاع القرين ، معن ، خزاعة ) لا تزال قوات الاحتلال المتواجده بها تتلقى ضربات موجعة من قبل المقاومة..
تكاد قوات الاحتلال ان تسطح العمليات على ان تكون نقطة الارتكاز الطويلة للعمليات العسكرية في احتلال حاجز امني على طول الحدود الشرقية ، من شرق بيت حانون شمال شرق …إلى شرق خزاعة جنوباً .. وهذا ينذر باستمرار العمليات العسكرية انطلاقاً من هذا الحاجز الامني الطويل ..
هذا الحاجز الامني ، سيركز بشكل طولي وسد كل المنافذ من والى غزة ، والبدء بعمليات استهداف تنطلق من تلك المواقع ، مع استمرار عمليات القصف الجوي والبحري والمدفعية .. التي ستركز احداثياتها على مدن غزة من الشمال إلى الجنوب ..
في موازاة ذلك استمرت دول الدعم المطلق لإسرائيل ( بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول الغرب ) في تسطيح قراراتها السياسية وتبريد خطاباتها الساخنة وتفعيل الجزء الثاني من المطالبات الخجولة من اسرائيل بمراعاة عدم قتل ألشعب وتجنب قتل المدنيين وعدم استمرار الإبادة والبدء بفتح المعابر الحدودية من اجل ادخال المساعدات واخراج المصابين .. خاصة بعد قرار مجلس الامن الدولي 2722 الذي جاء بعد مخاض طويل ولم يلبي الحد الادنى من الطموحات , لدخول المساعدات مع المراقبة ، متغاضية عن الوضع الانساني المتردي جداً مع معاناة لا يمكن تحملها ..
ستكون هذه النقطة المركزية قاعدة امنية طويلة قبل العودة والتراجع والذي سيكون بطيئاً جداً …حيث ستستمر هذه المرحلة بالثبات في غزة مع الاستمرار الكامل في القصف والتدمير وستكون هناك مناطق تقصف بعينها وخاصة البيوت وستكون هناك مجازر إضافية ..
من الطرف الاسرائيلي كل انواع الاسلحة المدمرة والثقيلة والمتوسطة والخفيفة متاحة من الجو والارض والبحر ..
وستقوم قوات الهندسة في الجيش الاسرائيلي بعمل احزمة قنابل مزروعة في مناطق مؤشرة ومعروفة لها والتي يحتمل استخدامها من قبل قوات المقاومة ..
إضافة الى فرقة الهندسة التي جلبت من اجل الانفاق تحديداً ، من اجل تدميرها نفقاً تلو نفق .. ومع كل ذلك لا تزال الانفاق شغالة وعاملة بكفاءة عالية ولا تزال حرب تلك الاتفاق محتدمة والجزء الاكبر منها لم يكشف بعد .
من طرف المقاومة فلا تزال ( وهنا اتحدث عن طرف اساسي في نزاع مع طرف اخر ) لا تزال المقاومة لها الكسب وتمسك بزمام الامور ولها التفوق في المنظور العسكري ، فهي ما تزال تقصف تل ابيب ، وهذا يدل ان روابض المدفعية ومنصات إطلاق الصواريخ لا تزال فعالة ومحكمة ، والقتل والتدمير يتوالى بوتيرة عالية بقوات الاحتلال ، الأمر الذي يؤشر على قبول هدنة من قبل الجانب الإسرائيلي مرغماً عليها ..
سقطت الأهداف المعلنة لهذه الحملة ، حيث لا يزال العنوان الكبير الذي تسعى له اسرائيل الا وهو النصر المعهود لديها صعب المنال بل مستحيل التحقيق .. والجبهة الداخلية الاسرائيلية ممزقة في توحيد القرار ، والشعب الاسرائيلي يتزايد احباطاً الى حد لا مثيل له خاصة بعد قتل الاسرى على يد من اتو لتحريرهم ، والعدد الكبير لخسائر القوى البشرية ، هذه الحوادث التي فجرت الداخل الاسرائيلي..
وعمقت الخلافات السياسية ، تكاد تكون أقسى على اسرائيل من التسلل التاريخي للمقاومة لأعظم وأعقد منظومة امنية دفاعية في العالم .
* العميد الركن المتقاعد// كاتب ومحلل شؤون عسكرية سياسية