لماذا اطالب بعسكرة الوظائف القيادية؟!
محمود الدباس - ابو الليث
24-12-2023 10:27 AM
في الثمانينيات جمعتمي مناسبة مع احد رجال السياسة الاردنيين.. وكنت قد انهيت الثانوية العامة.. وسألني السؤال المعهود.. "شو ناوي تدرس؟!".. فكان جوابي المباشر "كمبيوتر" لان مصطلح "IT" لم يكن دارجا حينها.. ولمعرفته الجيدة بي.. رد عليّ "ليش بدك تدفن حالك.. انت بتنفع تدرس قانون او ادارة.. هَيّ انا ما درست اولادي لا طب ولا هندسة.. وهم متفوقين.. من شان يشقوا طريقهم بقوة وسلاسة"..
حقيقة اخذت كلامه بنوع من الاستغراب.. وحاولت فهمه بإيماءات وببعض التساؤلات.. فقال ببساطة "احكيلي.. اكمِّن رئيس حكومة طبيب او مهندس؟!.. واكمِّن قائد عسكري او امني او حتى وزير طبيب او مهندس او "تبع" كمبيوتر؟!.. يا ابني ادرس اشي ينفعك وينفع اولادك.. او اذا لا سمح الله ما خلفت.. انفع اخوانك"..
لم آخذ بنصيحته.. ودرست "كمبيوتر".. وعملت بتخصصي فترة من الزمن في إحدى المؤسسات الرسمية.. وشاء الله ان انتقل الى احدى كبريات الشركات في مجال انظمة الحاسوب.. وشاء الله ايضا ان اتابع مشروعين كبيرين في مؤسستين رسميتين.. احداهما ذات طابع مدني.. والاخرى عسكري..
وبينما كنت اتعرف على من اتعامل معهم في المؤسسة ذات الطابع المدني.. كنت الاحظ بعض الموظفين الذين يتمشون في الكاريدورات كالطواويس.. وحين كنت اسأل عنهم.. لا اذكر ان احدا قال لي هذا فلان.. وانما كان الجواب ياخذ طابع الهمس.. هذا ابن فلان.. وهذا اخو فلان.. مع حفظ الالقاب للاب فلان.. والاخ فلان..
فأيقنت ان هذا الشخص لم يأتِ هنا لجدارته او لتفوقه او لأنه "نظوة".. بقدر ما كان وضع ابيه او اخيه هو كلمة السر لنفاذه وتسلله وتبوئه لهذا المقعد.. وللأمانة ان غالبيتهم لم يكونوا بحجم الموقع الذي يشغلونه..
وفي المؤسسة ذات الطابع العسكري.. لم اجد هذا المشهد.. والجميل في الموضوع ان الضباط الذين كنت اتعامل معهم.. او اشاهدهم.. كانوا يضعون اسماءهم على صدورهم.. وكانت اسماءا ثلاثية..
ولان طبيعة العمل كانت تتطلب الانخراط معهم بشكل وثيق وقريب.. ولاننا كنا نذهب الى كافة المناطق على اتساع جغرافية الوطن.. وكان لا بد لهم ان يذهبوا معي بالتناوب.. ولا بد لنا من التعارف.. فكان من بين هؤلاء المهنسين الافذاذ واصحاب العلم والخُلق الرفيعين.. فتفاجأت بانهم يرتبطون بصِلةِ قربى ابوية او اخوية مع ثلاثة هم القيادات العليا في ذلك الجهاز.. وبعد عدة سنوات قدموا استقالاتهم وتسلموا مراكز رفيعة في شركات دولية كبرى داخل الاردن وخارجه.. ولا تأخذ هذه الشركات خاطرا لشيء سوى الكفاءة..
هذا الامر جعلني اتذكر كلمات ذلك السياسي (المدني) الحاذق.. الأمر الذي جعلني اغيِّر مفهوم المثل القائل "اللي امه خبازة.. ما بجوع".. الى "اللي ابوه او اخوه واصل.. ما بيقعد بالبيت.. ولا يمكن لاحد ان يمسه بسوء"..
وربطتها بمقولةٍ اكتبها وانشرها دوما.. "إشتغل على حالك.. حتى يكون السؤال المهم والاساسي في مقابلة ابنك او اخيك من اجل التوظيف "شو أخبار الوالد؟!.. او شو اخبار اخيك؟!"..
من هنا فانني -ولست مجاملا لاجهزتنا العسكرية والامنية- اقولها بملء فمي.. لو ان المواقع القيادية يتسلمها -ولو لفترة انتقالية- اناس تخرجوا من المؤسسة العسكرية والامنية.. وممن لهم الكفاءة العالية في الادارة.. وممن لهم الدراية العالية في بعض الامور الفنية المتخصصة.. والذين تربوا على الضبط والربط والقيام بواجباتهم بكل قوة وقدرة ونزاهة.. وهم كثر ولله الحمد.. فلن نجد المحاباة والتنفيعات والاستثناءات واستغلال الثغرات في بعض القوانين والانظمة.. من اجل ارضاء اب او اخ.. ولضبطوا ايقاعها بالشكل المهني والاداري الصحيح..
ولن نجد توريث المناصب للابناء.. او للاخوة إن كان ليس لذلك الشخص الواصل ابناء.. فمراكز ومواقع الدولة ليست غنيمة او تركة او كعكة.. وهي لجميع ابناء الوطن.. الاكفأ ثم الاكفأ..
في الختام اقول.. ليت من يتشدقون في كل مناسبة تتاح لهم.. ومن على كل منبر وسيلة اعلام يظهرون عليها.. فيزعجون اسماعنا بكلامهم المعسول والهادر بمحاربتهم للفساد.. والقضاء على اي محاولة تقترب من الفساد.. أن يراجعوا مخرجات افعالهم وقراراتهم.. لعل ذلك الحس الوطني الذي في دواخلهم.. ويغط في سبات.. يصحو ولو للحظة.. فيعلمون حجم الاذى المادي والنفسي المنعكس سلبا على ابنائنا ومؤسساتنا التي نحب لها دوما الريادة.. وان تكون في الطليعة.. فيقومون بتصحيح ما اقترفت ايديهم.. ويسجل التاريخ اسماءهم باحرف من نور.. ويتغنى بهم الاجيال.. وفوق ذلك كله يرضون رب العالمين..
والله من وراء القصد.. واللي على راسه بطحة.. لا بد وان يحسس عليها..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وارضا