لا توجد شخصية سياسية أو اقتصادية أو لوجستية أو ثقافية أو دبلوماسية وسط النخبة السياسية الروسية أو وسط الشارع الروسي تستطيع منافسة رئيس روسيا الإتحادية الحالي فلاديمير فلاديميروفيج بوتين الذي أعلن مجددا ترشحه لموقع رئيس روسيا والكرسي رقم 1 في قصر "الكرملين" الرئاسي في موسكو . ولغاية الآن ترشح 16 شخصية سياسية روسية لمنافسته على الموقع الرئاسي رفيع المستوى عبر صناديق الإقتراع التي ستعقد أعمالها بتاريخ 17/ أذار / 2024 ولمدة عشرة أيام مع الغاء التواقيع اللازمة لكل مرشح حسب العرف السابق، والمعروف بأن مساحة روسيا الجغرافية هي الأكبر في العالم حيث تفوق 18 مليون كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكان روسيا حوالي 150 مليون نسمة، ومن الأسماء الكبيرة المرشحة المرشحة نيكولاي خارتينوف عن الحزب الشيوعي الروسي، وهو حزب معارض وموالي لقصر الكرملين ذات الوقت، وليونيد سلوكتسكي رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي خليفة النائب الساخر والمشاكس الراحل فلاديمير جيرينوفسكي. وأهم المعارضين للرئيس بوتين ، والذي كان من الممكن أن يرشح نفسه لإنتخابات عام 2024 هو اليكسي نافلني الذي يقبع في السجن منذ عام 2021 ، وحكم عليه تسع سنوات بداية لتحريكه الشارع الروسي ثم مدد الحكم لـ 19 عاما . ونتيجة الإنتخابات ستحسم بكل تأكيد للرئيس بوتين صاحب الأسم الكبير روسيا وعلى خارطة العالم ، لكن الديمقراطية تتطلب تقديم مجموعة من الأسماء المنافسة لكي لا يتهم الرئيس بوتين بالديكتاتورية أو الاتوقراطية.

والأهم هنا هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تستطيع النوم بترشح بوتين للرئاسة الروسية مجددا وللمرة الخامسة بعد تركه فترة رئاسية عام 2008 للرئيس دميتري ميدفيديف احتراما للدستور الروسي الذي لا يسمح بالترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين الا بترك ولاية، ولا علاقة لتاريخ ميلاد بوتين 7 / اكتوبر باندلاع هجمة حماس بنفس التاريخ وبفارق 71 عاماً. وتم عام 2020 تمديد الفترة الرئاسية من أربع سنوات الى ست سنوات والبقاء في السلطة حتى عام 2036 . وهو الأمر الذي خدم ترشح الرئيس بوتين لفترات رئاسية طويلة لكنها هامة لروسيا أولا.

ولقد تمكن بوتين من الصعود بروسيا بعد تجاوزه فترة حكم بوريس يلتسين المرتبكة ، وبوجوده في السلطة طويلا سيتمكن من المكوث فيها أكثر من الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين الذي خدم في السلطة 31 عاما وحقق انتصارا ساحقا على اليابان وعلى النازية الألمانية نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 . وبوتين رجل المخابرات والسياسة ورئيس الوزراء الأسبق، والذي كان يرغب بأن يصبح طياراً عسكرياً لم يتخلى عن الإرث السوفيتي فحافظ على امتلاك بلاده لجزر " الكوريل " اليابانية الأصل، والتي سيطر عليها الإتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بعد مهاجمة اليابان له . ورفض بوتين مؤامرة أمريكا على روسيا عبر "كييف" عام 2014 وقبل ذلك عام 2007 من خلال تحريك ثورات برتقالية وانقلاب هدفت لإجتثاث روسيا من الأراضي الأوكرانية وبيع أوكرانيا بالجملة وهي الحليف السابق للإتحاد السوفيتي للغرب الأمريكي في عهد الرئيسين بيترو باراشينكا وفلاديمير زيلينسكي وسط سعير الحرب الباردة وسباق التسلح ، مرتكزا على اتفاقية تفكيك الإتحاد السوفيتي عام 1991 التي لا تسمح بالتحالف مع التجمعات العسكرية المعادية مثل " الناتو " ، وعلى مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تتيح للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها ، فعمل على اعادة اقليم القرم للسيادة الروسية عبر صناديق الإقتراع وتحت الحماية العسكرية ، وعلى ضم أقاليم " لوغانسك ودونيسك " الدونباس ، وزاباروجا وخيرسون ، وعينه تمتد للسيطرة على أوديسا وخاركوف ونيكولاي – الدنيبر لتحصين الدونباس . ولقد حدد بوتين حديثا محاورا رئيسية ثلاثة لإنهاء الحرب الأوكرانية بالقضاء على التطرف وتفكيك السلاح الأوكراني والحياد .

ولو عدنا لبدايات حكم بوتين عام 2000 سنجد بأن علاقة روسيا مع أمريكا كانت حسنه ، فلقد التقى في موسكو الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وعرض عليه ادخال روسيا الى (الناتو) للجم الحرب الباردة وسباق التسلح ولترسيخ التعاون الإقتصادي وتطويره . والتقى دميتري ميدفيديف رئيس روسيا الأسبق الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن عام 2008 ، ولقاء بين بوتين وترمب عام 2020، وقمة روسية أمريكية بين بوتين وجو بايدن في جنيف عام 2021 وغيرها أون – لاين . ولقد وقف مع أمريكا بعد حادثة 11 / سبتمبر / 2011 وشكل جبهة مشتركة معها ضد الأرهاب . وبسبب التدخل الروسي في أوكرانيا عامي 2014/ 2022 ساءت العلاقات الروسية – الأمريكية و بالعكس ، ولم يتفهم الغرب الأمريكي ضم روسيا للقرم وأقاليم الدونباس وزاباروجا وخيرسون حتى الساعة ، ولتحريكها عملية عسكرية خاصة الى هناك .

وحشدت أمريكا كل طاقتها وجرّت عواصم الغرب خلفها ، ودفعت إلى أتون القتال مبالغ مالية كبيرة فاقت المئتين مليار دولار، ولازالت أمريكا تغدق المال على " كييف " زيلينسكي ، ولازال الرئيس الأوكراني يزور واشنطن ويطلب المزيد . ولغة لفظية بينهما مشتركة مفادها بأن هدفهما روسيا وبوتين شخصيا ، وهو الأمر الذي يطرب الرئيس المسن بايدن . وتوزعت المساعدات الأمريكية والغربية لكييف بين المال الأسود والسلاح الحديث لمساعدة زيلينسكي على تحرير بلاده ولمشاكسة روسيا والنخر بحدودها وايذاء سمعهتا ما أمكن ، وهو مجرد هراء وسراب واجهته روسيا بقوة في ميدان القتال. وجهزت " كييف" سابقا لصناعة أكثر من قنبلة نووية ، ولنشر مراكز بيولوجية ضارة بالديمغرافيا السلافية والسوفيتية والروسية عبر نشر جائحة كورونا المصنعة . وساعدوها على التطاول على خط الغاز نورد ستريم 2 ، وجسر القرم ، واستهداف الصحفيين الروس والأجانب عبر اغتيالهم ، والتحرش بالمناطق الحدودية الروسية . وعلى تصفية اللغة الروسية ، وزعامة الدين المسيحي الأرثوذكسي الروسي ، والنخر في العلاقات الإجتماعية الروسية – الأوكرانية ، ولتشوية صورة روسيا في المحافل الدولية .

لقد حققت روسيا الإتحادية حديثا انتصارا واضحا ليس على نظام " كييف " السياسي المتطرف المرتكز على التيار البنديري المتطرف أيضا ، وإنما على الغرب الأمريكي مجتمعا وسياساته الفاشلة مع أوكرانيا وروسيا والصين معا ومحاولة التفريق بينهم وعلى قاعدة " فرق تسد " ، والتي هي باللاتينية " divid et impera” " وكانت تعرف وتطبق عند السومريين والمصريين واليونانيين القدامى . فلقد حققت فعلا وعلى مدار عام ونصف العام نجاحات عسكرية كبيرة وسط الأراضي الأوكرانية السابقة التي تعتبرها روسية التاريخ ولا يجوز إساءة استخدامها من قبل " كييف " بحجة الدفاع عن سيادة أوكرانيا ، وهي التي أضاعت فرصة الحوار واتفاقية "مينسك" الضامنين سابقا لسيادة أوكرانيا في اطار المنظومة السوفيتية السابقة والحالية " CNG " . وتحقق روسيا – بوتين ذات الوقت نجاحا سياسيا واقتصاديا استراتيجيا مرافقا بتوجهها لبناء عالم متعدد الأقطاب يشمل دول غرب وجنوب العالم وتفتح أبواب مشروعها لمن يرغب من دول الغرب وحتى أمريكا نفسها رغم أن ثقة روسيا بالغرب تراجعت كثيرا بعد الحرب الأوكرانية تحديدا. ولم تعد روسيا جاهزة للتعامل مع أحادية القطب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفي طريقه للإنهيار، وهو الذي يشجع على العنف والحروب وفي مقدمتها الحرب الدموية في غزة الواجب أخلاقيا أن تنتهي بعدما تسببت في استشهاد أكثر من عشرين الفا من الفلسطينيين المسالمين ، وفقط لأنهم أصحاب الأرض والقضية العادلة.