المسيحيون وعيد الميلاد وغزة
أحمد الحوراني
24-12-2023 12:20 AM
غدًا الأثنين الخامس والعشرون من كانون الأول الجاري، يصادف عيد الميلاد المجيد، والمسيحيون من إخواننا وأخواتنا في الأردن قد حُقَّ لهم الاحتفاء بهذه المناسبة التي تشكل أبرز المناسبات الدينية وأهمها، لما يرمز إليه ميلاد السيد المسيح من وئام ومحبة وسلام، وفي مثل هذه الآونة تزدادُ القناعة بأننا في الحمى العربي الهاشمي وكما وصفه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين (بلد المهاجرين والأنصار وبلد التآخي) الذي يجسد أبنائه من مختلف انتماءاتهم أنصع الصور في الوحدة والتلاقي على الخير والمحبة والسلام في وحدة واحدة عزّ نظيرها ما يعيدنا إلى القول أنّ وحدتنا الوطنية التي نتفيأ ظلالها كانت وسوف تظل هي الركن الذي نستظل تحته مستمدين القوة من عزيمة قيادة عربية هاشمية ما كانت يوما إلا خيمة لكلّ من ضاقت بهم الأرض ذرعًا من أمة العرب والإنسانية جمعاء.
في هذا العام يأتي عيد الميلاد المجيد وسط ظرف استثنائي يواجه فيه الفلسطينيون في قطاع غزة حربًا ضروسًا مُنع فيها الفلسطيني الطفل والشاب والمرأة والرجل الكهل، من أبسط حقوقهم في الحياة، في المأكل والملبس والمشرب حتى طال الأمر العلاج ووسائل الحفاظ على الصحة، والمسيحيون المشتركون مع إخوانهم وإخواننا في غزة في المسائل المفصلية والجوهرية وفي وحدة الدم والحال والتأثر بما يعانيه الفلسطينيون هناك، يقفون مواقف عزة وشهامة وإنسانية ولم يكن غريبا عليهم أن يعلنوا تضامنهم مع أهل غزة وإيقاف كافة أشكال الاحتفالات لهذا العام، وفي ذلك مثال رائع وصورة حيّة تؤكد في دلالاتها ما يمثله الأردن من نموذج رائع للتسامح والاعتدال والوسطية في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأجمعه على مدى مائة سنة خلت من عمر الدولة، ويشهد على ذلك مواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وتقبل الآخر ونبذ مفردات الكراهية والطائفية والاقليمية أيّا كانت مصادرها.
ما سبق يقودني إلى استحضار كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في مؤتمر «نهضة الأمة: حوار الأديان، والإسلام من أجل السلام والحضارة الذي انعقد في أندونيسيا في شباط من عام ألفين وأربعة عشر حيث يقول «هذه هي رسالة الإسلام الحنيف الحقيقية المتسامح والتعددي، والقائم على المذاهب، والمكرس لمحبة الله، والإقتداء بالنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، والداعي لحياة تسودها الفضيلة ومعاملة الآخرين بالإحسان والعدل»، واليوم كم نحن سعداء ومعنيون بتقدير وتعظيم هذا النسيج الوطني الأردني (المسلم والمسيحي) المتكامل العصي على التفتت والتفرق والاختراق، وتلكم هي العلامة الفارقة والماركة المسجلة التي لا يقوى مغرض ولا جاحد ولا حاقد على النيل منها، ولعلنا في هذه المناسبة نستذكرُ معًا حجم الألفة والمودة التي تترجمها العائلات الأردنية مسلمة ومسيحية في آن معًا من خلال منظومة واسعة من العلاقات الصادقة التي تحكمها القيم والمُثل والأفكار والعادات والتقاليد المشتركة وتعززها في الوقت نفسه اعتبارات الاحترام المتبادل واحترام كل طرف لخصوصية الآخر.
في عيد الميلاد المجيد نتوقف على حجم الجهد السياسي والدبلوماسي المكثف الذي ينهض به جلالة الملك عبدالله الثاني لدى قيادات وأقطاب المجتمع الدولي لنشر ثقافة التآخي والتسامح وقبول الآخر ونبذ خطاب الكراهية والتمييز وفي الذاكرة مبادرات نوعية أطلقها جلالته في مناسبات عديدة وتبنتها المنابر الدولية ونال عليها جوائز لا تمنح إلا لصاحب الفكر الثاقب حين ارتكزت على تعظيم القيم والقواسم والأفكار التي تحث عليها الأديان وتعزز مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بغض النظر عن لونه أو دينه أو جنسه.
لقد طاف الأردن بقيادة الملك أرجاء العالم حاملا رسالة السلام التي آمن بها والتي واصل الدفاع عنها بأكثر من لغة وأكثر من خطاب، مستذكرين في العيد المجيد قوله حفظه الله في مقالته المنشورة في صحيفة النيويورك تايمز في كانون الأول من العام ألفين وأربعة وعنوانها «الطـريق مـن هـنـا»:وأنا ملتزم، بحكم كوني من أحفاد النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن أناضل من أجل التسامح والتقدم، وأعتقد أن مسيرة الأردن تبين أن النموذج الذي يصمم من داخل الوطن برؤية عربية إسلامية يمكن أن يحقق الكثير في مجال دفع التنمية إلى أمام، ومكافحة الإرهاب، وبعث الأمل المتجدد».
للمسيحيين والمسيحيات في بلدنا الحبيب خالص التهنئة بعيد الميلاد المجيد، مكللة بالتقدير والاعتزاز برسالتهم ودورهم الكبير في بناء الوطن وبصدق الانتماء للقيادة الهاشمية الحكيمة، هذا الانتماء الواحد بين الأردنيين هو الوعاء الذي انصهرت فيه كل ما يمكن أن يكون خلافا بين الناس، وكل عام والوطن بخير.
"الرأي"