نحو منطقة عازلة مع سوريا ..
محمد حسن التل
23-12-2023 05:50 PM
المحاولات المستميتة على الحدود الشمالية من قبل عصابات المخدرات والأسلحة لاختراق هذه الحدود لم تعد تشير إلى أن هذه العصابات هي فقط عصابات مخدرات أو تهريب سلاح ، فبات من الواضح أن هذه المجموعات تحمل أجندة سياسية وهدفا أبعد من هذه التجارة ، لأنه لو كان هدفها المخدرات لما استماتت في مواجهة الجيش الأردني الذي تعلم أنه من المستحيل أن يسمح لها باختراق الحدود ، فهل من المعقول بعد المعركة الكبرى في الأسبوع الماضي التي استمرت اكثر من اربعة وعشرون ساعة بين الجيش وهذه المجموعات التي تكبدت خسارات كبيرة في الأرواح واعتقال أعداد منهم أن تعود مجموعات غيرها في اليوم الثاني مباشرة للمحاولة من جديد ؟!.
إذا هذه العصابات كما أشرت لها أجندة تصر على تنفيذها عنوانها اختراق الاستقرار على الحدود الأردنية وإشغال الجيش الأردني بهذه المواجهة ، خصوصا في هذه الظروف التي تعصف في المنطقة .
الجنوب السوري منذ اندلاع الحرب في سورية وهو في عين الاهتمام الأردنية ، لأن الأردن يدرك أن هذه المنطقة إذا سقط الأمن فيها ستشكل خطرا على حدوده الشمالية والشمالية الشرقية ، لذلك كان حريصا على أن تبقى تحت سيطرة السلطات والجيش السوريين ، و أبدى ارتياحا كبيرا عندما استطاع الجيش السوري بمساعدة القوات الروسية تطهير المنطقة من عصابات داعش وغيرها من العصابات الإرهابية، وللأسف عادت وسقطت بأيدي عصابات موالية لحزب الله والذي يتحمل المسؤولية فيما يحدث على حدودنا مع سوريا ، خصوصا بعد انسحاب الجيش الروسي وتراجع الجيش السوري ، وحاول الأردن مرارا وتكرارا في دمشق التدخل الفعلي لإنهاء الوضع في الجنوب ، إلا أن الأخيرة لم تقدم شيئا ذو فاعلية ، رغم أن الأردن تعامل مع دمشق بأريحية ومد يده لمساعدتها وكان دوره فاعلا وأساسيا في عودتها إلى الجامعة العربية ، كما أبدى استعداده دائما لمساعدة السلطات السورية في عودة الاستقرار لجنوب البلاد .
في التحليل الواقعي أن منطقة الجنوب السوري تقع تحت سيطرة حزب الله ، والميليشيات التي تأتمر بأمره حتى تلك القوى السورية المسؤولة عن صناعة وتهريب المخدرات ، وهذا يعني أن ادعاء الحزب بأنه ليس له علاقة بما يحصل غير صحيح ، وإذا افترضنا جدلا أنه غير متورط مباشرة في موضوع المخدرات فإنه يستطيع بالحد الأدنى ردع عصابات التصنيع والتهريب عن محاولات استهداف الحدود الأردنية ، وإذا وسعنا الدائرة اكثر فإن طهران التي تردد دائما أنها تريد علاقات طبيعية مع الأردن تستطيع أن تقوم بما يلزم على اعتبار أنها صاحبة الكلمة العليا في القرار في سوريا على كافة المقاطع ، مع العلم أن الأردن حاول أكثر من مرة أن يجعل إيران تتدخل ولم يسمع إلا وعودا لم تنفذ على أرض الواقع ، وهذا ما يفسره كثير من المحللين أنه نوع من ضغط إيران على الأردن للانفتاح عليها بالطريقة التي تريدها هي.
على الوجه الآخر من القضية الأردن يقف وحيدا في المعركة ، وكأنه يدافع عن نفسه فقط ، وأن المنطقة كلها بعيدة عن هذا الخطر ، فإذا كان قدر الأردن أن يكون على الخطوط الأمامية في المعركة فهذا لا يعني أن الخطوط الخلفية تظل مسترخية معتقدة أن الأمر لا يعنيها ، ولن يصل إليها وهي في الحقيقة في عمق الخطر ، وهي المقصودة رقم واحد في هذه المحاولات ، لهذا يجب أن لا تترك هذا البلد وحيدا في المواجهة لأنه لا قدر الله العظيم إن اهتزت دفاعات الأردن سيدفع الجميع الثمن الكبير .
على طرف آخر فإنه على القيادات السياسية في عمان أن تمارس ضغطا سياسيا كبيرا على دول الجوار المعنية في الموضوع حتى تتحرك على الأرض لتكون جزءا من معركة الدفاع عن نفسها وعن كل المنطقة ، ولا يجوز أن يبقى الأردن بجيشه وحيدا في المواجهة التي تكلفه استنزافا كبيرا على كل المستويات ..
سيجد الأردن نفسه أن استمر هذا التهديد مضطرا أن يتخذ إجراءاته بنفسه وأهم هذه الإجراءات خلق منطقة عازلة داخل العمق السوري كما فعلت تركيا في الشمال السوري، ولن يلومه أحد ساعتها.