الجزيرة .. كوّة في جدار التضليل
د. نضال القطامين
23-12-2023 03:17 PM
في منتصف خيبات الإعلام العربي، وفي عُرض الزيف الطافح بالكذب الذي يُدلّس فيه إعلام الصهاينة على العالم، وتقبله دون فلترة أخلاقية ومهنية، كلّ قنوات الأخبار التي تنحدر يوما بعد يوم في سبخات المهانة والإبتذال؛ وحدها "الجزيرة" التي يمكن وصفها بصوت الحق وبالمنصة المهنية الرفيعة التي توثق وتنقل للعالم باللغة العربية والإنجليزية، جانباً من حرب الإبادة وجراح الأطفال ودمائهم التي تجري أمام سمع العالم الكبير وبصره الكليل، وتلعن في "عواجلها" كل القتلة وكل الإِحْتِيَال والتَلْفِيق والمكر.
في السابع من أكتوبر كان قصب السبق في التضليل وفي المراوغة للإعلام الصهيوني والمتصهين جنباً إلى جنب.
لم يرَ العالم سوى ما سوّقته ماكنات الإعلام الأصفر، وقد اعتقدوا أن الطبخة الدنسة النجسة قد نضجت، حين تداعى قادة العالم الحر، على عاصمة الكيان الغاصب، داعمين ومؤازرين، فلمّا تبيّن الخيط الأبيض الناصع، من ذاك المغلّف بالزيف والكذب، وأُسقط في أيدي السفلة المارقين، حينذاك، بدا للعالم، لقادته الذين سمحت لهم جينات التصهين وكره العرب بتصديق البهتان، أنهم لم يكونوا سوى ألعوبة في أيدي زعماء العسف والطغيان.
وعلى الرغم من جلاء الزيف وسفور التدليس، فإن العالم المتصهين، من العرب ومن العجم، ما تزال قنواتهم، ما يزال إعلامهم، يُصرّ على تداول الخداع ووصف المقاومين بأنهم ليسوا سوى إرهابيين، وقد عميت عيونهم وقنواتهم ووسائل اتصالهم عن كل هذا القتل وكل هذا الصلف والطغيان واستنساخات أنظمة الفصل العنصري الذي تمارسه دولة الإحتلال الغاصب على العرب وعلى العالم منذ سبعة عقود ويزيد.
سُذّج من ينتظروا من أحفاد القتلة سلاماً، أولئك الذي ينشأ أطفالهم على عقائد الدم والقتل والتدمير، وموغلون في السذاجة من يروا أن كل هذه الإبادة سوف تنتهي عند غزة، وأن السفّاحين المعبأون بدماء الأطفال سيأتوا لبلادهم سفراء سلام وسرور، بينما تنزف من حقائبهم لتاريخه دماء عشرين ألف ضحية وجراح ثمانين، وأحمق ومغفّل وبليد، من يقرأ عقيدة القتلة ولا يتجنبها ويعد العدة لها.
ثمة أسئلة يسيرة، على الناس الذين تطرق أعينهم عن حرب الإهلاك التي تمارس في غزة، أن يبصروا ما بين سطورها، وأن يقرأوها بالعين ذاتها التي قرأوا فيها اختلاق داعش وتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا، وترك البقية من دول الإقليم ممزقة على محطات الإنتظار، وثمة سؤال كبير على الناس أن تقرأه جيدا يتعلق بفهم توراتهم وأساطيرها، كي يدركوا معنى حروب الإبادة المقدسة على العرب والإسلام.
وثمة إشارات جديرة بالذكر والحديث، أن الأردن الرسمي والشعبي، بقي دومآ ينحاز للحق، وأن جلالة الملك، هو صوت الحق الهادر في ظل هذا الصمت العربي والعالمي المريب، فقد قال ما لم يقله أحد، ولقد أضفى على حديثه دوما غلالة من قواعد الإنسانيّة وشرائع من دين وخلق، وسيكتب التاريخ كل موقف يرتبط بالدين والعروبة وكل موقف تخاذل أهله عن هذه الثوابت.
وحدها الجزيرة، وبضع مراسلين يستظلوا بالصواريخ وقذائف المدافع والفسفور، يقولوا لنا، للعالم، أن الأمر ليس سوى حلقة أولى في مسلسل الدولة الكبيرة، تلك التي طرفاها النهرين العظيمين، حيث ترتسم على ركام الدمار في غزة، أحلام الصهيونية البعيدة.
بينما كنت أكتب هذه الكلمات، كان مجلس "الأمن" بعظمته يجتمع وسط انحدار مهين في تطبيق القيم الإنسانية، بهدف توسيع المساعدات الإنسانية للمدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد اتفقوا بعد لعب في الكلام وفي القرار على ذلك، لكني موقنٌ، حين أرى أن العالم صامت على هذه المذابح، بصفقات خفيّة خبيثة، متفق فيها على توزيع الغنائم، ويساورني شعور كبير بأن العالم كله لم يكن مغلّفاً بالسقوط الأخلاقي وبالسخرية والتهكّم والإستهزاء، أكثر من هذه الأيام.