الملكة رانيا و نداء العاطفة
فيصل سلايطة
22-12-2023 06:23 PM
أكثر ما يميزنا كبشر عن باقي المخلوقات ، هي قدرتنا على التعبير عن العاطفة بطرق مختلفة ، ففي الكلام و اللمس و البكاء و العيون و الشفاه و العديد العديد ، تميَّزْنا في الخلق عن البقية ، لكن ليس اليوم ، ففي حرب غزة اختار العالم أن يتجرّد من الحِس الانساني المميز و يعود إلى الغابة ، حيث قد تقتل الفريسة أو تؤكل حيّة لترى أوصالها تتقطع أمامها ...
العالم نفسهُ الذي فُطِر مرّات و مرّات أمام أبسط الامور أو توافهها ، يقف الآن صامتا و كأنّ حِسّه الانساني قد اصابه الشلل.
تقول الملكة رانيا في مقالها الاخير " البعض سيستخف بهذا النداء باعتباره مدفوع بالعاطفة"
نعم يا جلالة الملكة ، فالعالم الذي قدّس لسنوات العاطفة باعتبارها محركا ساميًا للنفس البشرية بات اليوم يراها استسلاما و رضوخا ، فالموازين كلها تبدّلت ، فكيف لهم بكل فظاظة القول " نحن ضد وقف اطلاق النار" تماما كمن يقول لمجرم يحمل سكينا و يضعها على ناصية رقبة طفل باكي شاكي " هيّا أجهز عليه" !
وقف اطلاق النار اليوم مقرون بكل ما هو مرادف للأمل و السلام و المحبة و العدل ، العديد مِنْ مَنْ قضوا لم يكونوا قطعة من لعبة الشطرنج الدموية هذه ، أطفال أسيقت للذبح في حلبة ليست لها ، بل فرضت عليها...
و السؤال الأهم ، هل بعد أنقضاء حرب غزة ، سنعود للعاطفة الغربية المزيفة؟ هل ستعود هوليود و غيرها تبكينا؟ هل التجييش العاطفي في السينما و السياسة و الواقع سيمر على افئدتنا كما في السابق؟ أم سيحاولوا خلق مفهوم جديد للعاطفة ، بحلّة جديدة يكونون بها الجلّاد و الضحية ؟
و بالعودة للنداء أو الصرخة العاطفية التي أطلقتها أم حسين ، تقول كما يملي عليها الضمير الأمومي " الطفل طفل " و هذا النداء و العنوان مهم جدا ، فحياة الطفل اليهودي و المسلم و المسيحي و أي طفل كائنا من كان هي مهمة و يجب أن تكون محمية و مصانة، فالطفل الذي يقتل في أي صراع هو تذكرة باهظة الثمن ، فكثيرا من الاصوات اليهودية اليوم هي ضد ما تفعله اسرائيل قولا و فعلا ، فماذا لو اغتيلت هذه الاصوات في مهدها الطفولي ، ألم نكن لنخسر اليوم ؟ لذلك لا يحمل الاطفال وِزر آبائهم مطلقا ، و هذا ما يحاول البعض في الغرب رسمهُ عنّا نحن العرب و عن الدفاع السامي عن الارض بأنّنا قتلة للأطفال ، كيف لا فهم لا يعلمون بأنّنا أكثر الشعوب عاطفة و غالبا ما تحركنا العاطفة الجياشة، لذلك فنحن نعي جيدا حُرمة الطفل و الطفولة.
و في الاراضي المقدسة مهد المسيح و أرضه الأم ، تقول الملكة أن العيد تبدّلت الوانه و لبست السواد ، فالكرة الحمراء التي كنا نعلقها على اشجار العيد باتت اليوم تقطر دما ، و الطفل في المغارة يبكي نحيبا على اقرانه ، أما الأم الصابرة الجبّارة تتحد مع وليدها في سمفونية حزينة عنوانها الغضب.
في فلسطين و الاردن و غيرها من الدول هذا العام ، يتقدم العيد حاملا الحِداد فوق كتفيه، فغالبية المجتمعات المسيحية اعلنت ايقاف نشاطاتها ، فهي الاخرى باتت مستهدفة ، كنائس و دور رعاية و مراكز مسيحية أُبيدت عن بكرة أبيها في غزة، في تذكير لكل جاهل أن المسيحي و المسلم في خندق واحد أما غطرسة المحتل و عنفه ، و العديد العديد من الاصوات اليهودية باتت افواهمم مكمّمة فقط لقول الحق ضد غطرسة حكومتهم ، لذلك صورة العيد هذه العام منقوصة ، فلو حضر المسيح بعظمته اليوم لأحرق الشجر ، كل الشجر لتدفئة أطفال يتملّكهم البرد .
خطاب الملكة رانيا البسيط المعقّد ، هو اللغة التي لعقود رسمها الغرب حوله ، فهو الذي يحرّك جيوشا لأجل طفل أو قطة تسلقت عامود انارة ، بات يرى بالعاطفة عملة صفرية لا قيمة لها ، لذلك لن يعود إلى رشده ما دامت عاطفته مختلة ، فالسياسة بلا انسانية هي اجرام بلا ضمير.