من يملك قرار إنهاء الحرب؟
د.حسام العتوم
21-12-2023 03:28 PM
أقصد الحرب في غزة، عندما قرر قادة حماس – حركة التحرر العربية – الفلسطينية -الإسلامية والأيدولوجيا في السابع من أكتوبر / 2023 الإنتصار للأقصى المبارك والثأر لخمس وسبعين عاما من المعاناة والكفاح والنضال الفلسطيني ضد الإحتلال النازي الإسرائيلي منذ عام 1948 وعبر الأعوام 1967 و1968 و1973. وهي الحرب المأساوية على أهلنا في فلسطين – شعب الجبارين-، والبطولية من طرف حماس، والعدوانية البشعة من الجانب الإسرائيلي، والتي تسببت بإستشهاد نحو عشرين الفا من الفلسطينيين معظمهم من الأطفال، واعتقال غيرهم وتعذيبهم والتنكيل بهم وإذلالهم عن قصد وسبق اصرار فقط لأنهم أصحاب الأرض والقضية العادلة.
ويبذل جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله جهودا مضنية في المحافل الدولية لوقف القتال في غزة لأسباب إنسانية. ونادت دول عظمى بضرورة وقف الحرب ذاتها فورا الى جانب الدول العربية وفي مقدمتها روسيا الاتحادية العظمى المنادية بعالم متعدد الأقطاب، والصين، وتركيا، وإيران. وموقف سلبي مستغرب قادته الولايات المتحدة الأمريكية صديقة العرب وإسرائيل معا عبر استخدام " الفيتو " في مجلس الأمن بوجه إيقاف الحرب ، وأظهرت انحيازا غير مقبول الى جانب إسرائيل، وفي عمق التاريخ المعاصر ومنذ عام 1945 حرّكت "الفيتو" – النقض 46 مرة ضد ادانة إسرائيل في مجلس الأمن، بينما يتوقع العالم منها كدولة عظمى تقود أحادية القطب وحلف "الناتو" العسكري ، وتسيطر على أوروبا، وتمتلك أخطبوطا واسعا وسط خارطة العالم أن تلتزم الحياد على الأقل، لكن هيهات؟
وفي ظل المشهد العربي المنقسم بين دول وحركات تحرر قريبة من نار المعركة ومطلة عليها، وبين دول غيرها تقبع في العمق وتلتزم الصمت. وحديث جديد لدبلوماسية إسرائيلية تكشف بأن خطاب بعض الدول العربية في العلن حول أهمية وقف اطلاق النار يختلف عن السر، وهو الذي تستثمره إسرائيل وتستمر في حرب ابادة ضد الفلسطينيين تشبه الهولوكوست، رغم أن حماس بدأت هجمتها فجأة وبشكل محدود، ورغم جاهزيتها الا أن الميزان العسكري يبقى لصالح إسرائيل والدول المعاونة لها مثل دول " الناتو " مجتمعة. وغيرها وقّعت السلام مع إسرائيل بين عامي 1979 و2020 مرورا بعام 1994 ولم تفعل كما الأردن بسحب سفيرها من تل أبيب على الأقل. وثالثة تنعت حماس بالإرهاب كما إسرائيل . وفي المقابل يعزف العرب مجتمعين حتى الساعة عن الوحدة العربية الحقيقية القادرة على التصدي لأي عدوان خارجي كما الإسرائيلي، ولمنع أية تدخلات اقليمية كما الإيرانية التي تطوق المنطقة العربية بهلال وتخترق صفوفهم وتدعم حركات التحرر العربية ذات الوقت ، ومليشيات تابعة لها ترتبط بعلاقات مشبوهة بعصابات المخدرات التي تكرر نفسها من دون رادع عربي سوري مجاور في المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن. ولازال الإعلام العربي في المقابل محتاج أكثر للتواجد في الميدان ووسط الإستقصاء. وصدى الثورة العربية الكبرى وصوتها يصدح منذ انطلاقتها عام 1916 عندما اطلق عنانها ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه، الذي ناداهم لوحدة تشمل العلم والنقد وجوازات السفر والاقتصاد والجيش الواحد." كتاب. سليمان الموسى. الحركة العربية. ص: 694/695 ". فهل يبزغ شمس الوحدة العربية يوما ؟ دعونا نراقب.
في تسجيل صوتي وبالصورة للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر تحدث فيه بأن الكونغرس الأمريكي يخشى مجرد مناداة إسرائيل لكي تلتزم بالقانون الدولي، ولكي تغادر الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، أو إدانة إسرائيل على أفعالها النكرة على أرض فلسطين ومع العرب، أو مطالبتها بالقبول بالدولة الفلسطينية الى جوارها. والواضح هو أن مؤسسة " الأيباك " اليهودية- الأمريكية التي تأسست في واشنطن عام 1953 في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور ولازالت عاملة بقوة هي التي تدير مشهد الحرب في غزة الى جانب حزب الليكود الإسرائيلي المتطرف، وتدير الحرب الأوكرانية أيضا. ولقد اقتنصت إسرائيل هجمة واجتياح حماس هذه المرة لتصفي حساباتها مع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس لمعرفتها المسبقة بأنها لا تعترف بها بالمطلق، ولأمريكا ثلثين الخاطر بمواصلة إسرائيل عدوانها على غزة وشعب فلسطين ومقاومتهم، ومعا يبحثون عن تصفية القضية الفلسطينية، وتنفرد أمريكا بإستخدام إعلام مزدوج حيال الحرب في غزة، ساعة تجدها تقف مع حل الدولتين، وساعة تعارض وقف اطلاق النار، وساعة تلتزم الصمت، وتضمر ذات الوقت الشر للفلسطينيين كما إسرائيل.
لاتوجد جهة في العالم تستطيع ايقاف الحرب في غزة وحتى في أوكرانيا غير أمريكا لو رغبت، لكنها تعزف على وتر مصلحتها القومية الخاصة والأوتار المناسبة لمصلحة إسرائيل، ومعا يخططون لمشروع اليوم التالي من دون حماس ولو لزم الأمر من دون الفلسطينيين، ومهما تعقدت النتيجة وتحولت لكارثة على الشعب الفلسطيني.
وتريد أمريكا حديثا من الفلسطينيين معاونة إسرائيل على حماس اعتبارا من اليوم الذي يلي رأس السنة الميلادي 2023/ 2024 ، وهو توجه سخيف، وكأن حماس قدمت الى فلسطين من القمر وليس من رحم الشعب الفلسطيني. وفي المقابل يتم التعامل بإزداوجية واضحة مع الحربين في غزة وفي أوكرانيا عبر المؤسسات القانونية الدولية "حقوق الإنسان، ومحكمة الجنايات الدولية، والأمم المتحدة ومجلس الأمن" ، وتفسيرات مختلفة على مقاسهم . ولازال تجمع أحادية القطب يكيل بمكيالين، ولا يعترف بتغير بوصلة العالم تجاه عالم متعدد الأقطاب الذي توجهه روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1991 واندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة 2022، متوازن، ومستقل، ويمارس العقلانية السياسية، ومتعاون اقتصاديا.
لم يبقى في ميدان المعركة في غزة غير راغب بوقف الحرب غير إسرائيل، وبيدها مفتاح إنهاء كارثة بشرية ضحاياه أناس أبرياء لا يحملون السلاح فقد كانوا ولايزالوا يسكنون في بيوتهم آمنين، ويحملون على أكتافهم أمل العيش الكريم في وطنهم ودولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وليس تحت الاحتلال، وثبت بأن إسرائيل لا تفرق بين مدني وعسكري فلسطيني، وتنطلق للقتال من نازيتها فقط . وحقيقة لا تملك إسرائيل حق الدفاع عن نفسها وسط وطن الفلسطينيين ولاحق الحرب عليهم، وثمة فرق بين حدود عام 1948 وحدود عام 1967، رغم أن فلسطين التاريخية وجدانيا وتاريخيا هي جزء لا يتجزأ من كل فلسطين، وهكذا ستبقى الى أن يرث الله الأرض وما عليها. وحتى الساعة لم يعترف معظم العرب رسميا بإسرائيل على حدود عام 1948، ومعاهدات السلام معها تحولت لهدن مؤقتة، وإعلان الحرب من طرف إسرائيل على العرب متوقع، ووزير دفاع إسرائيل السابق عضو الكينيست - أفاغادير ليبرمان - وعبر صحيفة " معاريف " صرح مؤخرا بضرورة تجهيز الجبهتين الأردنية والمصرية من طرف كيانه، ووضعهما تحت أهبة الأستعداد لأي طاريء مفاجيء .
ليس من حق إسرائيل ووفقا للقانون الدولي تجاوز حدودها الجغرافية التي تمكنت من الحصول عليها عبر الأمم المتحدة 1947 وبقوة السلاح المستورد 1948، ويحق للشعب الفلسطيني والشعوب العربية كافة العيش في بلادها بحرية وأمان، لكن الحرية لا تأت على طبق من ذهب ولابد من تقديم التضحيات ، والوطن الفلسطيني غالي كما الإنسان الفلسطيني ، وأوطان العرب لا يجوز أن تستباح ، وشعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " ليس بعيدا عنا نحن العرب ولازال فاعلا، ويقد يحل بديلا عن سلام هزيل مع إسرائيل ، والتاريخ يسجل والزمن لا يرحم، لكن السلام العادل يبقى هو العنوان.