بشق الانفس و"طلوع الروح" تجنبت حكومة السيد معروف البخيت الثانية حجب الثقة من قبل النواب وسقوطها وهي لا تزال وليدة وغضة،،
وقد شكلت الحكومة الجديدة حالتها الخاصة بها في مواجهة استحقاقات الثقة كما شكل مجلس النواب حالته الخاصة في مواجهة هذا الاستحقاق الذي كان بالنسبة للمجلس النيابي الجديد والغض ايضا مناسبة لتبييض وجهه امام الناس الذين استنكروا ان "تكسر عصاته من اول غزواته" عبر منح الحكومة السابقة تأييدا وثقة غير مسبوقة بتصويت 111 لها يومها شكل استهجانا شعبيا وعبئا معنويا على المجلس الذي ظل "يتلمظ" للحكومة الجديدة لتعديل صورته... الخ.
والمؤكد ان الحكومة كانت ستسقط سقوطا مريعا لو لم يكن هنالك "حجّازون" و"فزّاعون" ومنافحون عن الحكومة من قبل قوى ومرجعيات لها وزنها وتأثيرها وضعت كل ثقلها حتى "تمزط" الحكومة من مأزق السقوط.
وبمعزل عن المزاج النفسي للنواب فان مسرحية المشاورات لتأليف الحكومة والتي دامت 9 ايام لم تكن موفقة في جوانبها الاستعراضية والدعائية فالرئيس المكلف كان حينها مأخوذا وهو في الاصل لا يملك مكرَ ودهاءَ السياسيين ولذلك قامت المشاورات على الايقاعات الطافية على السطح اما ما كان مفاجئا فهو عدم استفادة الرئيس من تجربته الماضية في الحكم واكثر من ذلك فقد كان غريبا ان الرئيس البخيت لم يتعلم اي شيء من فترة انقطاعه بين حكومتين وهي الفترة التي يفترض انها اتاحت له التأمل والمراجعة والمتابعة والالمام بتطورات التجربة السياسية الاردنية على مدى 90 عاما وما استندت اليه من قيم ومعانْ ومن تقاليد واعراف وما تعرضت له من تحديات واخطار امكن تجاوزها.. الخ.
وفي تفاصيل المشهد الاستهلالي لهذه الحكومة كان مؤسفا الا ينتبه رئيس الحكومة المكلف إلى ان فرحته بتشكيل الوزارة مجددا يجب الا تلهيه ابدا عن احترام الدستور والا يبدأ عهده بالغفلة عن انه لا يجوز ان تعيش البلد في فراغ 9 ايام دون حكومة حيث كان يفترض ان يوكل للوزراء السابقين بالبقاء في مناصبهم حتى تشكيل الوزارة الجديدة لتسيير الاعمال في الحد الادنى ، او توكيل المهمة للامناء العامين في تصريف الاعمال ، ولا ندري اذا كانت الحكومة تقصد ان تزيد شعار ما يسمى الاصلاح السياسي غموضا بالتغني به شعارا بلا مضمون وكذلك شعار الحوار الذي كان تكليف رئيس السلطة التشريعية به من قبل رئيس الحكومة مخالفا للدستور.
وفي بعض تفاصيل اخرى فلم تكن الحكومة موفقة ولا مقنعة وهي تتبرأ من مسألة البلطجية في ساحة المسجد الحسيني وبشكل عام لم يلمس المواطن ان هنالك اي خطاب اعلامي او سياسي للحكومة في مواجهة الحالة الراهنة الحرجة والمقلقة بل هنالك انطفاء وانكفاء اكثر للاعلام ما عدا الاستنفار ضد مقال لكاتب في جريدة الحياة يحاول ان يخفف دمه او يتفلسف او يقدم فاتورة او غير ذلك والرد كما هو معروف لم يتناول ديباجات المديح التي بالغ بها الكاتب بل تناول الرد الرسمي فقط بعيدا عن عبارات القدح السمجة للكاتب والتي لا يستمع لها احد ، وما حدث في هذه الواقعة ينطبق عليه المثل الذي يقول: "اللي ما يشتري يجي يتفرج" فجريدة الحياة وقد كنت لفترة طويلة احد كتابها شأنها شأن الصحف العربية مبيعاتها في الاردن محدودة وللنخبة الذين لا يلتفتون الى لغو جهاد الخازن او غيره وهكذا جاءت التصريحات الرسمية لتنشر غسيلنا الوسخ بروائحه الكريهة.
لا اريد ان استرسل في ذكر امثلة على فقدان الحكومة للبوصلة ولا على تقوقعها في الدوار الرابع وهي بالتأكيد لم يكن لها رأي في تغييرات في مواقع عليا كما انها لم تكن صاحبة القرار بالرد على المظاهرات المعارضة بمظاهرات مؤيدة وغير ذلك والمؤسف اكثر ان الحكومة لم تمتلك الكفاءة للتفاعل مع الارتياح الاردني المعتاد لتشكيل اية حكومة جديدة فالاردنيون يرحبون بكل حكومة جديدة في ايامها واسابيعها واشهرها الاولى كردة فعل على ضيقهم بالحكومة التي قبلها خاصة عندما يتم "كحش الحكومة" في ظل ظروف صعبة ومتوترة وهو اوضح ما كان في حالتنا الراهنة ولكن الحكومة الجديدة "ما كانت هون" حيث ولدت وهي في حالة غيبوبة وعلى ضوء ذلك نفهم مجريات "الفزعة" بتوفير ثقة لحكومة ساهية لاهية وعلى فيض الكريم.
الدستور.