حكومة الثقة المتواضعة والاعمال الشاقة !
د.حسين الخزاعي
06-03-2011 03:30 AM
تستحق حكومة الدكتور معروف البخيت لقب الحكومة صاحبة الحظ السعيد، وبالعامية نقولها الحكومة " المبخوتة " كونها اجتازت حائط الثقة بشق الانفس بعد يومين متتاليين قضاها اعضاء من مجلس النواب في مناقشة البيان الوزاري وسط أجواء ساخنة وانتقادات ومداخلات وكلمات وخطابات نارية، إلا أن الحكومة نجت من القصف المتواصل والنقد اللاذع والهجوم الكاسح من خبراء ومحنكي ومخضرمي الجلوس تحت القبة في مجلس النواب ، في الوقت الذي كانت الحكومه تتابع القصف الهجومي من اروقة مجلس النواب كانت مشغولة ايضا بالقصف والهجوم والنقد الاذع من خارج القبة الصادر على شكل بيانات وتصريحات ومسيرات من بعض القوى والاحزاب السياسية والتي منذ اللحظة الاولى لتشكيلها بتاريخ (9 شباط الماضي ) بدأت بعض الاحزاب يتقدمها حزب جبهة العمل الاسلامي بفتح الملفات والاخفاقات التي جرت ابان تشكيل البخيت لحكومته الاولى في عام 2005 وفازت في حينها بثقة 86 نائباً، وحجب الثقة عنها 20 نائباً، وامتنع عن التصويت نائب واحد، وغاب عن جلسة التصويت ثلاثة من أصل 110 نواب.
الطخ والهجوم الذي مورس على حكومة الدكتور معروف البخيت لم يكن موجها لشخصه الكريم، فهو معروف بين الاوساط المثقفة والشعبية والاعلامية بطيبته وحنكته وجرأته ووطنيته واتزانه وهدوء اعصابه وبعده عن عالم البزنس وادارة الصفقات والكومشن وتحترم وتقدر تدرجه في المناصب العامة بكفائته ومهارته وطموحه وجهده، وفي الاتجاه المعاكس فهو معروف ايضا في المواقف الحاسمة بسلاطة لسانه وعدم المجاملة وانزعاجه لاخفاق اي مسؤول في اداء واجبه ولا يهادن من يحاول الاساءة للوطن او يتطاول على مؤسساته ومنجزاته، إلا ان لعنة الاخطاء التي وقع فيها البخيت في حكومته الأولى بالرغم من تحذيرنا له في مقالات نارية متتالية عبر وكالة عمون في تلك الايام وطالبناه بأخذ الحيطة والحذر من بعض الوزراء تجنبا لعدم ارتكاب اخطاء تحسب عليه ، الا ان حكومته اتهمت بتزوير الانتخابات النيابية والبلدية لعام 2007، وجرى فتح ملف الكازينو الذي تمت الموافقة عليه في عهد حكومته السابقة وكلف الدولة مبالغ طائلة بسبب الشرط الجزائي الذي وضع في الاتفاقية الموقعة بين الحكومة والشركة التي كانت تنوي تنفيذ المشروع.ومن جانب اخر واجه البخيت صراع مع النواب الذين كانوا يحاولون الخروج من الصدمة المتعلقة برغبة النوا ب تجاوز الأزمة التي حصلت مع قواعدهم بسبب ما يعرف (بثقة 111) التي تطارد ظلهم وهو الأمر الذي دفع إلى احجام معظم من حجب الثقة عن الحكومة الى هذا السلوك للتخلص من هذه العقدة بالرغم من البرنامج القوي للحكومة وبدأها بالبرنامج الاصلاحي الذي وعدت به في البيان الوزاري . الا ان تصحيح الخطأ الذي ارتكبه النواب ومنحهم الثقة العالية لحكومة سمير الرفاعي في كانون اول الماضي ساعد على قرار حجب الثقة عن الحكومة . انتهى ماراثون التصويت على حكومة الدكتور معروف البخيت في جلسة التصويت على الثقة و حصلت على ثقة مجلس النواب بشق الانفس حيث منحها الثقة (63) عضواً من أصل 119 عضواً ، مقابل تصويت (47 ) نائباً بحجب الثقة ، وامتناع 7 نواب، وغياب نائبين.اي بنسبة ( 53.8% ، وهذا السيناريو يذكرنا بالسيناريو الذي جرى ابان عملية التصويت على حكومه الدكتور عبد السلام المجالي الأولى والتي فازت بفارق صوت واحد فقط (41) عضو من اصل (80) عضوا . ولكن استثمر دولة " ابو سامر " هذه النتيجة واتبع اسلوب العمل الميداني في زياراته للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية ، وكنا نتابع ونرصد ونحلل حركة رئيس الوزراء المكوكية الى الدوائر الحكومية واحيانا كثيرة كان يصل الى الوزارة قبل مجيء الوزير او الامين العام لها ، وكان يجلس مع الموظفين والمدارء ويتابع شؤون الوزارة معهم لحين حضور الوزير او الامين العام ، وقام المجالي بتنفيذ برنامجه الوزراي بدقة وحرفية وكانت وزارته من الوزارات الناجحة جدا والمميزة في ترسيخ قواعد العمل المؤسسي في الاردن ، وتغلب المجالي على الثقة المتواضعة التي حصل عليها بمزيد من العمل والجهد والنجاح والتقرب لحاجات المواطنين ومتابعتها وتنفيذها .
والمتابع والمدقق لمسيرة اسماء النواب ال (47) الذين حجبوا الثقة عن الحكومة يجدهم من المخضرمين في اللعبة البرلمانية وقراءة المشهد الوطني وتحليل الواقع المعيشي وجميعهم من محنكي السياسة والاقتصاد والادارة والخبرة ومن الكفاءات المشهود لها في العمل في القطاعين العام او الخاص وتقلدوا مواقع مرموقه في الدولة ومعظمهم وزراء سابقين او نواب لعدة دورات او اعيان سابقين ورجال اعلام ومجتمع مدني واحزاب سياسية ورجال عشائر واصحاب شركات ، وهم خلطة وتركيبة مقلقة للحكومه حيث انهم بالرغم من اختلاف امزجتهم وميولهم الا انهم توحدوا على حجب الثقة عن الحكومة وامطروها قبل الحجب بخطابات عرمرية ونقد كاسح ، واذا تركز هذا التحليل على حاجبي الثقة فهذا لا يعني عدم وجود كفاءات وخبرات مشهود لها بين النواب الذين منحوا الثقة للحكومه، ولكن الواجب يقتضي الوقوف عند اسماء وخبرات حاجبي الثقة، واشير الى اسمائهم مع حفظ الالقاب " خليل عطية ، غازي عليان ، ممدوح العبادي ، ريم بدران ، احمد الصفدي ، صلاح صبرة ، تامر بينو ، أنور العجارمة ، عبد الكريم أبو الهيجاء ، عبد الناصر بني هاني ، زيد شقيرات ، حميد البطاينة ، جميل النمري ، أحمد الشقران ، مجحم الصقور ، عبد الله النسور ، مصطفى شنيكات ، جمال قموه ، شادي العدوان ، عبد القادر الحباشنة ، محمود النعيمات ، عاطف الطراونة ، رعد بن طريف ، بسام حدادين ، موسى الزواهرة ، علي الخلايلة ، عبد الكريم الدغمي ، عبد الرحمن الحناقطة ، حازم العوران ، محمد الشروش ، محمد الشوابكة ، عبد الجليل سليمات ، باسل العياصرة ، محمد الزريقات ، مفلح الرحيمي ، احمد القضاة ، سميح المومني ، وصفي السرحان ، الشايش الخريشا ، عواد الزوايدة ، محمد المراعية ، حمد الحجايا ، اسماء الرواضية ، ردينة العطي ، وفاء بني مصطفي ، عبلة ابو عبلة ، تمام الرياطي" . ولعل الخطأ الذي وقع فيه الذين حجبوا الثقة عن الحكومه بهدف العودة للشارع وكسب الحراك الشعبي وازالة عقدة الثقة " والبصمة " التي منحوها للحكومه السابقة حكومة الـ (111) فهم ارتكبوا خطأ كبيرا لأن برنامج حكومة الدكتور البخيت مقنع للمواطن الأردني ، والبخيت بدأ بتنفيذ برنامجه فور تشكيل الحكومه ويصل الليل في النهار لانجاز كافة الملفات الاصلاحية وبسرعة وخاصة قانون الانتخاب والاجتماعات ونقابة المعلمين ومتابعة قضايا الفساد التي حولها الى دائرة مكافحة الفساد ومتابعة تحسين مستوى حياة المواطنين من خلال تأمين (21) فرصة عمل لهم ودمجهم في العمل والانتاج ، وكمتابع ومحلل وحضرت ما كان يجري في شرفة مجلس النواب اثناء عملية التصويت على الثقة في حكومة البخيت كنت اتوقف عند رد فعل المتواجدين والمتابعين لمنح الثقة للحكومة او حجبها حيث كان النائب الذي يمنح الثقة للحكومة يقابل بالتصفيق الحار وهذا بعكس ما كان يجري ابان التصويت على حكومه الرفاعي حيث ان النائب الذي كان يحجب الثقة كان يقابل بالتصفيق الحار ، ولعلي اتذكر كيف كان يتدخل دولة رئيس مجلس النواب المهذب فيصل الفايز للطلب من الحضور المتواجدين في الشرفة التزام الهدوء ولكن لم يلتزم الحضور بتعليمات دولة " ابو غيث " وصفق الجمهور بحرارة للـنواب الـ ( 8 ) الذين حجبوا الثقة عن الحكومة وحصدت الحكومية الرفاعية ( 111 ) عضوا في مجلس النواب لتكون سابقة خطيرة في مسيرة المجلس النيابي وبرغم هذه النتيجة كانت الحكومه مرفوضة شعبيا وخرجت بعد ( 42 ) يوما فقط من حصولها على ثقة (94%) من نواب الامة وهذا درس سيبقى محفوظا على "ميموري " المواطن الأردني ولن ينساه نواب الامة مدى العمر .
وبعد ،،، لقد تخطت حكومه البخيت حاجز الثقة بفارق بسيط ، وهذا يتطلب مواصلة العمل بالايقاع السريع الذي بدأت به منذ تشكيلها ، وعدم ترحيل الملفات، وبذل الجهد للتواصل مع القواعد الشعبية وخاصة الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام ، واتباع البخيت لمنهج العمل الميداني والمبادرة المتابعة والتوجيه المستمر لطاقم الحكومه لتنفيذ ما ورد في البيان الذي قدمته الحكومه امام مجلس النواب .
مسك الكلام ،،، اعيد من جديد تقديم النصيحة التي وجهتها لدولتكم بتاريخ ( 21 نيسان 2007 ) في مقالة لي موجودة ضمن كتاب عمون بعنوان " الحكومة مش عم تمشي " ، وقد وعدنا دولتك بان نضع اليد على مكامن الخطأ ، لن نجامل ولن نهادن وسنكتب ونوجه اقلامنا التي نرويها بحبر جبيننا لخدمة المسيرة ، اكتب واعرف جيدا ان دولة " ابو سليمان " ممن يسمعون النصيحة ، واقول لك : اخلع ربطة عنقك ، والبس السفاري ، واجعل برنامجك اليومي الصباحي زيارة مفاجئة لوزارة او مؤسسة او دائرة خدمية، اتبع العمل الميداني الذي اتقنته ابان خدمتك العسكريه في ميادين العز والشرف والرجولة، واجلس لكل وزير في وزارته على " ركبه ونص " ، وتابع على ارض الواقع ماذا انجز من استراتيجيات ، وما هو برنامج عمله اليومي في وزارته وماذا قدم للوطن والمواطنين ، لتقلب الوزارات والجامعات الحكومية والمؤسسات التي اصبحت مأوى للعجزة والمنافقين وعشاق الروتين ، هذه نصيحة اقدمها لك يا دولة الرئيس ، فأنت سيد العارفين ، سيدنا ابو الحسين حفظه الله ورعاه يريد اصلاح سريع وفعال . والهابطون في المظلات على الكراسي في الوزرارات والمؤسسات والجامعات لا تنتظر ملخصاتهم وتقاريرهم المصقوله ، بل اطلب تقارير عنهم ومن هم الفاسدون والمفسدون الذين اوصلوهم لهذه المؤسسات القابعين والمتربعين بها على كراسي لا يستحقون الوصول اليها ، لقد زهقتهم كراسي مؤسساتهم التي يديرونها منذ عقود ولم تتقدم هذه المؤسسات والدوائر خطوة واحدة للأمام . الحراك الشعبي يريد ان يرى انجازات على ارض الواقع .
Ohok1960@yahoo.com
اكاديمي ، تخصص علم اجتماع