الاستفادة من الخبرات .. فرص الأردن الضائعة
د.عبدالفتاح طوقان
20-12-2023 12:46 PM
الاردن كان دوما متقدما في القوانين والانظمة والتشريعات ولديه كفاءات وخبرات عالية اسعفت دول الخليج وأمدتها بحاجاتها التعليمية والادارية والامنية والوظيفية وساهمت في بناء قدرات ابنائها ومنتسبيها في العديد من الدول، وانتقلت الخبرات الاردنية الي العالمية بابنائها فبرز منهم كثيرون من المبدعين في مجالات كثيرة منها الطب والجراحة والهندسة والقانون والرياضة والعلوم العسكرية وغيرها فكانوا منارة لغيرهم ومحفزون لهم واعتلوا المناصب في المؤسسات الدولية والهيئات الاممية بجهدهم الخاص وتفوقهم و"بمفردهم" ودون اي تخطيط مسبق من الحكومة او مسؤولي التخطيط الاستراتيجي مثلما فعلت دول اخرى متقدمة.
والتساؤل كيف كان سيكون الوضع لو اهتمت الجهات الحكومية ووزارة التخطيط بوضع استراتيجية لتلك الكفاءات وتنميتها والاستفادة العلمية والادارية والاقتصادية منها؟ وكيف لو عملت على وضع منصة للمبدعين ترعاهم وتؤهلهم ليكونوا في خدمة الاردن المستقبلي واعادة ضخهم في الاسواق العالمية كمادة بشرية متميزة عوضا عن تركهم يسبحون في التيار بمفردهم؟ اين هي خطة الاردن لابنائها؟
واليوم الاستفادة من الخبرات في بيئات العمل داخل وخارج الاردن هو أمر حتمي وعلى قدر كبير من الأهمية خصوصا مع الوضع الاقتصادي والمديونية العالية والمشاريع الكبرى المعطلة وغياب الفكر الاستراتيجي وكيفية التعامل مع الازمات والتي تعالج بنظام "الفزعة" لا بالتحضير المسبق والرؤى المستقبلية العلمية.
الاردن يمتاز بالقوة البشرية والخبرة ولكن الحكومات لم تستفد منهم في أوقات الأزمات وتقليل النفقات العامة أثناء الأزمات، بل اعتبرتهم عبئا في سوق العمل والبطالة!! وعدم التعامل معها اضاع كثير من الفرص للاردن.
المؤسف أن عددًا كبيرًا من الحكومات ورؤوسائها لا يحسنون الاستفادة من هذه الكفاءات الموجودة والناجحة في بيئات العمل، وبعضهم الآخر لا ينتبهون إلى المزايا الجمة التي يمكن الحصول عليها من خلال هؤلاء الاردنيون في الخارج وايضا ممن هم في الداخل ويقتصر اختيارهم على وزراء ومسؤولون في وظائف عليا ولارضاء اطراف في المعادلة الجيو سياسية ودون اي اهتمام بمستقبل الاردن الذي كان دوما في مقدمة الدول ثم تراجع وتخطته دويلات والامثلة لا تعد ولا تحصى.
وباتت عملية تدوير الوزراء بين الحكومات هي سمة الفشل الاساسي في انجاح الاردن على مستويات اقتصادية وسياسية وضياع الفرص..
وإذا كنا نتحدث عن الاستفادة من الخبرات الاردنية فمن المهم الإشارة إلى أن الأمر يشمل الأكفاء الذين عملوا في الخارج وفي اكبر المؤسسات لسنوات وصاروا على قدر كبير من الخبرة وأولئك الذين بالامكان جلبهم من الخارج بغية تأهيل وتدريب الموظفين حتى تكون الاردن قادرة على التعامل مع التحديات المختلفة التي تحدث في الاسواق الاقتصادية وحتى في الامور السياسية بل تكون قادرة على اقتناص الفرص التي قد تعرض بين حين وآخر عوضا عن ضياع الفرص مثلما حدث على سبيل الذكر لا الحصر مدينة الاعلام والتي انتقلت ومدينة الانترنت والتقنيات الحديثة ومنطقة تصنيع السيارات وكلها افكارا طموحة اردنية قتلها انكفاء الحكومات وغطرسة بعضها وضعف اخريات، ولعل الاهم الاستفاده من كون الاردن منطقة تاريخية وسطية خصصتها بريطانيا عند تأسيسها لتكون "عبر الاردن" لخدمة التجارة في الشرق الاوسط.
الاردن بلد عظيم ضم ويضم الكثير من الكفاءات والامتيازات التي لم يستفد منها بطاقتها القصوى وسيكون الاردن اكثر جاذبية لافضل الشركات العالمية التي تبحث عن الحرية والامان والمرونة والتشريعات في الحياة الاقتصادية والعلمية ان تم التخطيط لذلك عوضا عن تركها للصدفة.
واقصد لو انتهجت الحكومات التخطيط للتعامل مع التحديات العالمية وحتى لا يتكرر ما حدث عند حضور اللبنانيون وقت الحرب الاهلية في الثمانينيات ولم يجدوا في الاردن البيئة التحتية ولا التسهيلات اللازمة فغادروا الي قبرص وتحديدا مدنها الساحلية مثل لارنكا وليماسول وبافوس، والتي زرتها مْؤخرا ووجدت الاستثمارات اللبنانية بالمليارات اتت وقت الحرب اللبنانية ونمت وتضاعفت خلال اربعين عاما عوضا عن كونها بالاردن مثل العقبة التي اراها اكثر تأهيلا، فهناك في قبرص شركات تجارية وتقنية ومقاولات وابنية ومطاعم وسياحة بأموال لبنانية لدرجة انشاء "الجامعة الامريكية بيروت" فرعا لها في بافوس غير فلل وشقق يمتلكها اللبنانيون كبيت ثان في قبرص، وامتدت شطارة حكومة قبرص لتشمل جذب استثمارات مصرية ومنها عائلة ساويروس في منطقة "ابيانا" حيث تم انشاء المارينا والابراج في قبرص وشركة الاتصالات الهاتفية ولم تتوقف الاستثمارات عند العرب بل شملت الاستثمارات الاسرايئلية والروسية بالمليارات، بينما مجالس مشتركة اردنية عربية لم تفلح في جذب اي من الاستثمارات ولم نر من مؤسسة الاستثمار او وزارة الاستثمار ما يثلج القلب ويحقق الطموح فضاعت الفرص وانتصرت "الشلل" في جني مكاسب التوزير علي حساب الشعب والوطن ودون اي محاسبة من مجلس النواب او هيئات مكافحة الفساد.
aftoukan@hotmail.com