يتفق الجميع على ان المواجهة بين جيش الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية الباسلة ليست عادلة اذا ما قورنت اماكانيات الجيش الصهيوني العسكرية بتلك التي تمتلكها قوى المقاومة، والسؤال المطروح كيف ستضع الحرب اوزارها وما هو المشهد الذي يمكن ان تسدل عليه ستارة مسرح الحرب هذه؟

معروف ان هذه الحرب التي مضى على اشتعالها اكثر من سبعين يوما تعد الاطول في تاريخ دولة الكيان الصهيوني، والمفارقة الغريبة ان هذا الحرب الاطول لا تخوضها اسرائيل ضد جيش نظامي بل مع قوى مقاومة ذات امكانيات محدودة كما اسلفنا.

وان المتابع الحثيث لما يجري ميدانيا لا يحتاج كثير عناء لتوصيف المشهد هناك على ارض قطاع غزة، فمن جهة تنفذ المقاومة عمليات نوعية ضد قوات الجيش الصهيوني وتحقق اهدافها وتوثقها بالفيديو والصورة، لا بل ان كل التسريبات الاعلامية في اسرائيل تشي بوقوع خسائر بشرية مؤلمة لدولة الكيان وجيشه، رغم التناقض الكبير بين الارقام الرسمية للجيش الصهيوني وتلك التي تقدمها وسائل الاعلام العبرية.

يقابل هذا المشهد مشهد آخر توجه فيه اسرائيل القوة النارية نحو المدنيين في مدن ومخيمات القطاع، وتمارس خلاله جرائم حرب وجرائم ابادة حقيقة ضد الشعب الغزي الصامد على ارضه رغم كل هذه المجازر البشعة، يرافق ذلك عجز حقيقي من طرف الجيش الصهيوني في الاقتراب من تحقيق اهداف حربه المعلنة بالقضاء على حركة حماس عسكريا وسياسيا، او حتى النجاخ في تحرير رهائنه لدى فصائل المقاومة.

ماذا يعني ذلك؟؟؟

ان خسائر الكيان الصهيوني من هذه الحرب كثيرة وعديدة، الا انه يبدي حساسية مفرطة تجاه الخسائر البشرية في صفوف جيشه، وهذه الخسائر البشرية هي التحدي الابرز الذي يضغط على صانع القرار في الكيان الصهيوني.

اما الوضع في الجهة المقابلة فالمقاومة تؤكد وتشدد على تفوق رجالها في الميدان، وقدراتها على الاستمرار في الحرب لاشهر قادمة، الا ان التحدي الابرز الذي يواجه فصائل المقاومة هو جرائم الحرب التي تمارسها اسرائيل والاف الشهداء التي قدمها اهل غزة حتى وصل عدد الشهداء قرابة العشرين الف، عدا عن آلاف المفقودين تحت ركام الدمار الهائل الذي خلفته جرائم الكيان الصهيوني وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين واكثر من مليون نازح من مدن شمال الفطاع الى جنوبه.

وبين خسائر الجيش الصهيوني وخسائر المدنيين في غزة تكمن معادلة النصر، فايهما قادر على تحمل الخسائر واحتوائها هو الذي سيكسب هذه الجولة من جولات الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

ان معرفتنا بكلا الشخصيتين الاسرائيلية والفلسطينية يعطينا مؤشرا حقيقيا الى حد بعيد حول مآلات الحرب والى ماذا ستنتهي، فمن جهة الجندي الاسرائيلي يهودي الديانة وبنص القران الكريم وبتجارب تاريخية لا يميل للمواجهة بحكم طبيعة شخصيته الجبانة، لذلك يفضل الاعتماد على القوة التدميرية عبر سلاح الجو والقصف المدفعي عن بعد، حتى اذا ما اضطر للمواجهة على الارض انكشفت قدراته وشخصيته التي تتشبث بالحياة وترفض الموت في سبيل الدفاع عن اي قضية كانت حتى لو كان وطن مصطنع.

وعلى النقيض من ذلك الشخصية الفلسطينية التي تؤمن بالاستشهاد في سبيل قضية عادلة هي الدفاع عن المقدسات والارض و العرض والشرف و الكرامة وهي قيم حاضرة بقوة في الشخصية العربية المسلمة وكما قال خالد بن الوليد للفرس جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة، وشتان ما بين الشخصيتين.

وعليه الى اي حد يستطيع الكيان الصهيوني تحمل الخسائر في صفوف جنده؟؟؟ وفي المقابل الى اي مدى سيتحمل الغزيون الخسائر في صفوف المدنيين؟؟ وهل سيبقون صامدين داعمين لمقاومتهم في ظل انعدام كل اسباب الحياة هناك؟؟؟

هذه المعادلة التي يمكن من خلالها تفسير مآلات الحرب وكيف ستنتهي، وبرأيي المتواضع ان الغزيين ابدوا صمودا اسطوريا، رغم كل مجازر العدو الصهيوني بحقهم رافقه كفاءة عالية لدى المقاومة في ادارة عمليات الحرب ميدانيا واعلاميا وحتى سياسيا، وهو ما يوصلنا الى نتيجة منطقية -متجردة من اي عاطفة- ان غزة الى انتصار والكيان الصهيوني الى هزيمة واندحار.