الجرأة على الأفكار الكبيرة
جميل النمري
21-01-2007 02:00 AM
بحسب آخر التصريحات، فإن إحدى الأفكار لحلّ مشكلة التلوث البيئي لمصنع الإسمنت في الفحيص هي نقل المصنع. وهي فكرة كنّا قد أيدناها فيما مضى؛ فمن المستحيل حلّ مشكلة التلوث جذريا لمصنع من هذا النوع، وليس معقولا التفكير ببقائه في قلب منطقة سكنيّة ذات بيئة جميلة ونادرة للعشرين أو الثلاثين سنة القادمة، لكن لا احد يريد تحمّل مسؤولية تفكير استراتيجي من هذا النوع.
الشيء نفسه يقال عن مصفاة البترول في الزرقاء، وهي مع المحطّة الحرارية مصدر تلوث خطر لا يحتمل في قلب منطقة سكنية كثيفة ومركزية في وسط البلاد. لكن المقترح لم يؤخذ ابدا في الاعتبار.
لماذا يجب أن نلوث الشريط الضيق الذي نعيش عليه تاركين شرقنا الصحراء الشاسعة؟! لو كانت المصفاة الى الشرق، فان اتجاه الرياح الآتية من الغرب (كما هو الحال في الاردن معظم الوقت) ستحمل الغازات الملوثة بعيدا باتجاه الصحراء المفتوحة. وإن كل الصناعات اجمالا يجب ان تتجه شرقا. ويكفي أننا استبحنا عمرانيا كل الشريط الزراعي الضيق الى الغرب. القرار الذي نأخذه الآن يجب أن ينظر ثلاثين سنة الى الأمام.
نحن نمضي يوما بيوم بلا خطط ولا مشاريع كبرى للمستقبل، وأذكر أن "التفكير الكبير" كان من شعارات أهل العزم في مطلع عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، بكل ما حمله من تفاؤل وطموحات، لكننا تقاعسنا أمام كل مهمّة كبيرة. وكما هو معروف، فان مشروعا مثل الديسي ظلّ يتجرجر سنوات حتى باتت كلفته الآن ضعفي الكلفة المفترضة في حينه.
وقد كتبت مرّة عن حلّ جذري للتمركز السكّاني في عمّان، بانشاء عاصمة جديدة شرقا، لكن أحدا لم يأخذ الفكرة بجدّ وتخيّل لدقيقة أن لا تكون العاصمة عمّان. في الحقيقة، ان الخيال والإقدام هما آخر ما نحوز عليه. وقد تقرر مؤخرا اللجوء الى حلّ أكثر تواضعا، بانشاء ثلاثة احياء كبيرة شرق عمّان.
لقد أحبطني أن يحتاج مشروع مثل سكة حديد عمّان-الزرقاء إلى كل هذه السنوات من الأخذ والردّ. وقد فوجئت بكلفته (حوالي 140 مليون دينار)، رغم وجود خط السكة الحالي الذي يمكن توسعته. والان -بحسب الوعود- سيتم احالة عطاء المشروع في الصيف القادم، بعد تأهيل حوالي سبعة عشر "ائتلافا دوليا" للمنافسة على المشروع، وتنوي الدولة تقديم 60 مليون دينار لخدمة البنية التحتية للمشروع الذي سيأخذ شكل الترامواي الكهربائي، أي على غرار وسيلة النقل المعتمدة في كثير من المدن الكبرى في العالم. وعمليا، هو سيكون أقرب إلى وسيلة نقل داخلية. تصوروا! هذا المشروع الوطني الكبير الذي يتدحرج منذ سنوات، لا يمثل في الواقع سوى خط واحد من عشرات الخطوط التي تتوفر عادة لهذه الوسيلة من النقل في المدن الكبيرة!
jamil.nimri@alghad.jo