خذ مثلا ليلة امس : لا ادري متى بدأت، ومتى ستنتهي، حتى ظننت لوهلة أنها باقية للأبد.
صحوت منهك من ساعات النوم ،وانا أُقلب جنبيّ ذات اليمين وذات الشمال ، لعل الفجر قارب، لكنها وحسب التوقيت المحلي للعاصمة عمان وما حولها الساعة الثانية عشرة والنصف ، خُيّل الي انني قد نمت زهاء مائة عام ، تقلبت نصف قرن سرحت زهاء عقد اعدت سرد غزوات الجاهلية، داحس والغبراء ، الصعاليك واحسب اني كنت أحدهم لفترة من الزمان ، عرّجت على الفتوحات الإسلامية ورافقت عقبة بن نافع ، قاتلت وقُتلت أكثر من مرة ، ثم انقلبت على جنبي الشمال وصحوت مرددا: الله اكبر .
ما زالت الساعة الواحدة والربع ؛ أسير إلى المطبخ اجهز ركوة القهوة : وداوني بالتي كانت هي الداءُ ، لا بأس من قراءة كتاب ، صريع الغواني لأبي فرج الاصفهاني، البداية والنهاية لابن كثير ، الموشحات الأندلسية، وثمة ولاّدة بنت المستكفي تنشد اشعار لابن زيدون ، كُثّير عزة، ويبدو في الجوار ابو نواس، يخرج من خمارة البلد .
الساعة الثانية بعد منتصف الليل بقرن ؛ الوقت مواتي ؛لاسمع ليلى تشكو لابن الملوح وهو يشرح ، ثمة اسباب للخصام بين المحبين لكن أحد لا يفهم ، احاول ان افهم ، ليباغتني النعاس وانام قرابة سبعة عقود .
الساعة الان الثالثة والنصف فجرا ؛ ثمة ديك يصيح وكلب يعوي ولص يتوارى في المنحنى، وثمة سعال شيخ خرج بالأمس من المستشفى.....
سقط الزند؛ سمعت ابا العلاء المعري ويكمل: أراني في ثلاثة من سجوني لفقدي ناظري، ولزوم بيتي، وصون النفس عن الجسم الخبيث .
الفجر على وشك؛ هكذا قالوا إن اشتد الظلام إنتظر الفجر ، والظلام دامس رغم اضوية البلدية التي تجاهد طوال الليل للابقاء على حالة من النور ، ومطر يتلاحق النزول، كأنه جاء من قديم الأزمان، وصل إلى هنا منهك ، بالكاد يسقط القطرات ويبتعد شرقا ، والغيوم تتلاحق، وثمة جفاف في الروح، ابحث عن ماء .
الساعة الخامسة فجرا ؛
اتدثر بكلي بجوار نافذة تطل على شارع يفضي إلى شجر مكتظ ، انا هناك كنت قبلاً أهمُ الخطى: إلى المدرسة والكلية والجامعة والثكنة العسكرية والصحراء والمدينة ، متى يأتي النهار ؟
الساعة السابعة صباحا؛
وكأن الليل لم يكن، وثمة صرخات أطفال تسير إلى المدرسة، اتوقف طويلا : لعلهم كانوا أصدقاء جدا لسلطان النوم الذي يُجّيّش كل جنوده ضدي ، ويعتبرني عدوا لا يجوز له النوم بالمطلق .