لا يخفى على كل ذي لب أن الأردن مستهدف بشكل كامل.. ولا يقول بغير ذلك إلا كل من وضع غشاوة على قلبه قبل عينيه.. وأصم صوت الحق بداخله قبل اذنيه.. وعميت بصيرته قبل بصره..
قدر الاردن ان يكون عروبيا اسلاميا منذ نشأته.. فرجاله الذين نبتوا وترعرعوا على الحس العروبي قبل الوطني.. ورضعوا الشهامة والنخوة مع حليب امهاتهم.. وآثروا ان يكونوا دوما المدافعين عن شرف وحق العرب وكل مظلوم حتى ولو على حسابهم ومصلحتهم.. فكان القلب الذي ينبض بحب الآخر.. والحضن الذي يعطي الدفء والطمأنينة لكل مظلوم.. والملاذ الآمن لكل مضطهد..
وقدر الاردن بموقعه.. فهو بوابة العرب شرقا وغربا.. لانه الحد الفاصل بين الطامعين في الامة العربية الشرقيين والغربيين.. لبسط سيطرتهم ونفوذهم..
فتشكلت على ترابه لوحة فسيفسائية لا مثيل لها.. واصبح كل من هو على ثراه يشعر بأنه لا مكان على وجه البسيطة يشبهه.. على الرغم من قلة موارده.. وضعف امكانياته المادية.. فالنسيج الاجتماعي الذي تم نسجه بعرى ومواثيق الدم والمصاهرة وحسن الجوار.. فلا فرق بين اطيافه الباهية الزاهية الراقية.. ونكاد نفرق بين الجار والصديق وابن العم والاخ.. اصبح الهوية التي يتمسك بها الجميع..
فجيشنا الذي نتغنى به.. أبى إلا حمل اسم الجيش العربي.. وآمن برسالته القومية الاسلامية.. ولم يتوانى يوما عن نصرة الاخ.. ودماء شهدائه امتزجت بتراب الوطن العربي.. ورفات شهدائه شاهدة على ذلك.. وشهادة العدو فيهم سفر خلده التاريخ رغما عن كل المشككين والمزورين..
ونظامنا الذي لم ولن يكن في يوم نظاما دمويا.. ولم يتسلم عصا القيادة بالانقلابات.. ولم يستمر بإراقة الدم والتنكيل.. فكانت علامة فارقة في مسيرته.. على الرغم من ان هناك من يستحق ان يُعامل بغير ذلك.. لظنه ان الاردن ونظامه غير قادر على إلجامه ولو بالقوة..
فكانت هذه الأيقونة الاردنية مهوى ومقصد ومطمع كل حاسد وحاقد.. وينتظر اللحظة ليراها -لا سمح الله- منجرفة في غياهب التيه والتشرذم والدمار والخراب.. فلم يألوا جهدا ولا مكرا ولا فتنة إلا وحاولوها.. ولم يعلموا بأن هذا الوطن عصي على كل متآمر..
يعلم أعداؤنا باننا شعب عاطفي تجاه اي قضية عربية.. ويعلموا اننا نتوق لان نرى الوطن العربي كتلة متماسكة.. فيحاولون بكل ما لديهم لتفتيتنا.. فينشرون الفتن والشائعات.. ويحاولون التغرير بأبناء الاردن بشتى الافكار المسمومة.. والاداعاءات الكاذبة.. مستغلين اوضاعنا الاقتصادية تارة.. وتركيبتنا الاجتماعية التي نتغنى بها تارة أخرى.. فجندوا من ابنائنا من في قلبه مرض.. وحرضوهم ولا يزالوا لان يكونوا كالسوس الذي ينخر في الجسد داخليا..
فات على عقول اعدائنا العفنة.. ان هذا الشعب على الرغم من عاطفة الجياشة.. انه شعب مثقف ومفكر وليس سطحي.. وانه يزن الأمور بالحكمة والعقل والعاطفة معا.. وان ثرى الاردن يرخص له كل غال ونفيس.. ونفتديه بالنفس والمال والولد.. وان ليس لنا مكان نعيش في غير الأردن..
أما آن الأوان لمن ينعقون بما يمليه عليه اعداؤنا بأن يصحو؟!..
أما آن الأوان لهم بان يعلموا انهم ليسوا سوى ادوات خراب.. ومعاول هدم بيد اعدائنا.. الذين زينوا لهم سوء افعالهم واقوالهم؟!..
أما آن لهم بان يعلموا ان عدونا يتربص بنا من كل جانب.. وانهم يفتحون علينا جبهات من كل جانب.. ولن يتوقفوا ما دام هناك اردن قوي عزيز متماسك؟!..
ما حدث من تحرشات قبيل اندلاع احداث غزة على الحدود الاردنية كان مؤشر واضح.. إلا ان الناعقين بقوا على نعيقهم..
وما يحدث الان على الحدود الاردنية السورية.. ما هو الا زيادة في العيار من قبل اعدائنا.. فهل سيصحوا من غفلتهم وتغريرهم الذي عمل عليه اعداؤنا؟!..
أم انهم سيبقون في غيهم وضلالهم ولا يسمعون الا صوت نعيقهم ونعيق من يملي عليهم؟!..
وسيبقى الأردن عصيا على من عاداه.. وسيبقى الأردن الصخرة التي تتكسر عليها كل اطماع الأعداء.. ولن يفت من تماسكنا وعضدنا كل الارهاصات والتهديدات والتحديات والمضايقات من كل من لا يريد بنا الخير.. او من كل من يظهرون لنا المودة ويبطنون لنا السم الزعاف.. ونحن لهم كاشفون..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وارضا..