التعليم بالبهجة والسعادة!
قلت في مقالتي في صحيفة الغد: إن بداية الإصلاح خطوتان: أن نعترف بوجود مشكلة، وأن نعرف ما هي المشكلة.
والحقيقة؛ يمنعنا كبرياؤنا وتبريرنا وضعفنا من الاعتراف بوجود مشكلة، ويمنعنا ضعف الوعي من معرفة ما هي المشكلة.
هناك قناعة عامة مدعومة بأدلة عديدة، وهي أن مشكلتنا هي في ضعف التعليم!
أما تعريفي للمشكلة، فهي ضعف التدريس، وضعف دوافع المعلمين، ولذلك سأحاول الإضاءة على المشكلتين!
(1)
ضعف التدريس:
في اختبار Pirls العالمي الذي يجرى كل خمس سنوات، تم إعلان نتائج اختبار بيرلز للقراءة في ٢٠٢٣/٥/١٦ ومرت النتائج من دون أي توقف.
لا أريد مزيدًا من الإحباطات، لكن يجب المصارحة بأن ترتيب طلبتنا كان قبل الأخيرة بمرتبة واحدة، وأن تحصيل طلبتنا كان ٣٨١ درجة، بينما المعدل العالمي ٥٠٠،
وكما قلت سابقًا: لا تتحمل قيادة التعليم الحالية أي مسؤولية، لكن مجلس التربية، والمؤسسة التربوية والفكر التربوي الأردني؛ هما المسؤولان بشكل رئيس.
وأقدر أن ذلك ناتج عن ضعف التدريس، وضعف التعلم، وبخاصة مهارات القراءة. وهذا أيضًا ناتج عن عوامل عديدة ومتشابكة، مثل: البيئة المدرسية، والبيئة المجتمعية، وإدارة المدارس، والمشرفين، وكل من له صلة بالتعليم عبر عشرين عامًا.
ولكنني أبرز عاملين طالما تحدثت عنهما:
الأول: أن معلمنا معلم مواد دراسية وليس معلم طلبة، وينحاز دائمًا لمادته على حساب الطلبة.
والآخر: أن كتابنا كتاب مادة دراسية، وليس كتاب طلبة، ودليلي: إن جميع المؤلفين مختصون بالمادة الدراسية، وليس بينهم تربوي، أو أديب، أو سيكولوجي.
ولذلك؛ لا أحد يهتم بالطلبة، وكل يغني على ليلاه!
(2)
القراءة أولًا
ليس سرّا القول: إن إتقان مهارات القراءة هي أداة التعلم، ففي الصفوف الأربعة الأولى: نتعلم القراءة من أجل القراءة Learning Reading For Reading.
فالقراءة، وإتقانها هما الهدف النهائي.
ولكن بعد ذلك، تصبح القراءة أداة للتعلم وليس هدفًا: Reading For Learning.
فالطالب يقرأ العلوم، والفنون، والرياضيات وغيرها، فالقراءة وسيلة، ومن لا يتقنها تفوته "تعلمات" عديدة بالرغم من كل التقدم الرقمي!
ومن هنا، فإن معالجة ضعف القراءة في الصفوف الأربعة الأولى ورياض الأطفال، هي نقطة البدء.
وهذا يعني توظيف معظم التعليم والمناهج على تعلم القراءة في معظم الحصص، وحيث يكون للغات الحجم الأكبر من برنامج الطالب اليومي والأسبوعي!
(3)
المعلم:
وكما أن التعليم ليس بخير، فالمعلم ليس بخير؛ فلا ظروفه الحياتية، ولا أوضاعه المهنية، ولا طريقة لباسه، ولا اهتمامه، ولا شغفه؛ كل ذلك لا ينتج معلمًا شغوفًا بعمله!
ولا أشكك في موقف الدولة من المعلمين، فالكل -برأيي- يتمنى تحسين أوضاع المعلم!!
المعلم، وليس فلاسفة التعليم، ولا منظروه، هم من يدخلون الصف، ويعرفون الطلبة؛ فمديرو التعليم وقادته، ومؤلفو الكتب، والمنظّرون، لا قيمة لأي جهد منهم، ما لم يراع أمران:
شراكة المعلم، ومستواه الثقافي والمهني!
فالمعلم سقف الإصلاح! ولن يساعدنا المعلم إلّا إذا كان سعيدًا! فكيف يكون ذلك؟
(4)
المعلم السعيد
الإدارة السعيدة،
هناك دراسات عديدة في علم النفس وفي الصحة النفسية عن السعادة، وعلاقتها بالذكاء المعرفي والانفعالي،
أوضحت الدراسات العديدة وجود علاقة بين السعادة والذكاء المعرفي، والنجاح.
كما سمعت من حسني عايش أنه يؤمن بأن المعلم الذي يفتقد الحب والشغف والبهجة والسعادة، لا يمكن أن يكون فعالًا!!
إذن؛ إدارة البهجة والسعادة، والمؤسسة السعيدة، والمعلم السعيد هي نقاط بدء وانطلاق! فكيف تكون المدرسة سعيدة؟
وكيف يكون المعلم سعيدًا؟
قد يتبادر إلى الذهن أن زيادة الرواتب هي طريق السعادة، هذا تسطيح للموقف!
قد يكون المطلوب من أساتذة الإدارة والصحة النفسية وحسني عايش أيضًا وسائر المهتمين أن يحدّدوا شروط البهجة والسعادة لدى المعلم، أو في المؤسسة، وهذا عمل رائد لو بدأنا فيه،
سأحاول وضع بعض ما قد يسعد المعلم في مدرسته!
- يمكن أن تكون شراكته في القرار.
- يمكن أن توفر له مكانة في المجتمع، وإشراكه في قيادة نشاطات مجتمعية.
- تشجيعه على العمل في مجتمع متعلم، ينتج معرفة!
- توفير درجة من الاستقلالية للمدير والمعلم، حيث يشعر بأنه مسؤول وخاصة في قضايا المناهج، وتقييم الطلبة!
- تقدير إسهامات المعلم وتقدير إنجازاته، وربط المكافأة بالأداء.
- إعطاؤه لقبًا مهنيًا، مستمرًا معه بعد التقاعد، كالطبيب والمهندس، والمحامي.
- إشعاره بمهنيته، وبحماية نقابته له.
يمكن التحدث كثيرًا عن السعادة، وعن حقوق المعلم، ولكن ما نحتاجه: معلم يعمل. معلم يتعلم. معلم يهتم. معلم يحب عمله. معلم يلتزم بمسؤوليته. معلم يحب الطلبة والمدرسة. وأخيرًا معلم يحب ذاته!!