العربية لغة الشعر والفنون
أ.د. خليل الرفوع
18-12-2023 09:23 AM
اليوم الثامن عشر من كانون الأول هو يوم الاحتفاء التاريخي باللغة العربية، فهو اليوم الذي قررت فيه الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 1973 بأن تكون العربية لغة رسمية إضافة إلى لغات خمس قد أقرت من قبلُ، إنه احتفاء بتاريخ العربية وتخليد لها، وهي التي استوعبت كل العلوم الإنسانية والعلمية، وما كانت إلا لغة الإبداع والعلم والبيان والجمال، وفي هذا العام اتخذ شعار (العربية لغة الشعر والفنون) ليكون وسما معرفيا يشف عن مكنونها وقدرتها على الحفاظ على صيرورة ما تختزله من شعر وفنون عبر العصور بدءا من بدايات تشكلها ومرورا في حقب حضارية، وأخرى منكفئة حتى يومنا هذا.
هي الذكرى الخمسون لإعلان العربية لغة رسمية عالمية، وما كانت هذه الذكرى إلا استمرارا لمكانة العربية في قدرتها على البقاء والتطور والإحياء والتجديد في ذاتيتها الحية الرصينة المتنامية، واستيعابها ضروبا من المعارف تأليفا وترجمة وتألقا دلاليا، وفي الحديث عن شعريتها وفنونها يشار إلى جماليات العربية واتخاذ الشعراء والمبدعين في الفنون كافة العربية لغة استعارية انزياحية تعبر عن عقولهم ومشاعرهم ومواقفهم ورؤاهم مما جعلها لغة ذاتية إنسانية عالمية فائقة الدلالة، وفي هذا المضمار التعبيري ليس بدٌّ من الإشارة إلى أنها كانت لغة الشعر والخطابة والوصايا والحكم قبل الإسلام حينما استند العقل العربي إلى التعبير عن مشاعره ورصد الأدوات الحضارية والبدوية معًا، فكان إذْ ذاك مؤسسا للسان العربي والشعر والفنون، وحينما تنزل القرآن الكريم زادها قدرا وبهاء ورقيا وجمالا، فأن يتحدت الله بلسان عربي مبين كان فتحا معرفيا لأهلها ولمن دخل في رواقها من الأعاجم الذين أبدعوا بها حضارة تجلت في عصر تأسيس الحضارة العربية الإسلامية في صدر الإسلام وما تبعه من عصور، لقد نقل القرآن الكريم باللسان العربي كثيرًا من محاورات الله عز وجل مع الأنبياء وغيرهم، وخطابات الأنبياء والأمم على الرغم من أنها لم تكن لغتهم، وكان ذلك تكريما للعربية وقد توج ذلك بتسمية إحدى السور بالشعراء وذكرَ مفرداتِ الشعر والشعراء في ست آيات بينات، وقد بقيت من بعد ذلك عصية على التلاشي حتى في أقسى العصور ظلاما اكتنف أهلها.
كانت وما زالت لغة الشعر وهو الفن الأكثر رمزية واستعارة وإيحاء، وفي الفنون الأخرى من مقامات ورسائل وقصص ورواياتٍ وإبداع مسرحي وأغان ورسومات وخطوط وحكايات وأدب ساخر ونقوش وغير ذلكم من الوسائط التفاعلية ، فهي ثرية بمفرداتها وأصواتها ومعانيها وموسيقاها وصورها الفنية وأساليبها الجمالية، هي العربية التي بقيت حية لم تنكسر ولن تموت فقد تكفل الله بحفظها؛ لأنها لسان كتاب الله والدين والعبادات والشعائر، وهي كذلك هوية وتاريخ وكرامة وبيان وجمال وخلود، زادها اللهُ وأهلهَا عزة وسلاما.
* الجامعة القاسمية