حفاة الأرجل، مشهد استوقفنا جميعا عندما نشرت المقاومة الفلسطينية في غزة أمس الأول مشاهد تظهر جانباً من المعركة التي قضى فيها مقاتلوها على 10 جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب بسلام في جحر الديك شرق المنطقة الوسطى، وكان لافتا مشهد ظهور المقاومين حفاة الأرجل خلال تسللهم باتجاه خيمة كان يتجمع بها جنود الاحتلال.
هي صور وزّعتها المقاومة في غزة، ومقاطع فيديو، لكنها لم تمر مرور المتابعة العادية، إنما لفت انتباه الكثيرين أن المقاومة قامت بهذه العملية الهامة وقد سار المقاومون حفاة، ما أثار تساؤلات كثيرة، عن السبب وراء هذه المسألة، وبالطبع لست هنا لأحلل عسكريا أو غير ذلك قيام المقاومة بهذا الأمر، لكن ما يجب التركيز عليه أن المقاومة تسعى بكل الوسائل الممكنة وحتى غير الممكنة للانتصار لحرية غزة، والنصر على الاحتلال.
تحليلات سياسية كثيرة كان أبرزها أن المقاومة لا تريد ترك آثار لخط سيرها، وعدم تمكين الاحتلال من استغلال هذا الجانب، ما جعلهم يسيرون دون «حذاء»، والتأكيد على ان المقاومة تسير نحو النصر دون دروع ودون «أحذية»، ودون أي شكل من أشكال الوقاية، لا يملكون سوى يقين النصر، والعزيمة والثبات، والإصرار على النصر وبأبسط العتاد وأخف الأسلحة، محققين نصرا هاما حتما يسجله التاريخ بأحرف من نور.
وفي هذا السياق، حتما يرد في أذهاننا دعاء النبي محمد صلَ الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بدر (اللَّهمَّ إنَّهم حُفاةٌ فاحملْهم، اللَّهمَّ إنَّهم عُراة فاكسُهم، اللَّهمَّ إنَّهم جياعٌ فأشبعهم)، فهو يقين الإيمان بالله، وبتحقيق النصر ولو بأقل الإمكانيات، وأبسطها، لكن بوجود الذكاء، مقدمين درسا جديدا في الدفاع عن الوطن بتكتيك عسكري أمني يتناسب وواقعهم، وظروفهم، ويمكّنهم من مواجهة قوى الاحتلال التي تبدأ بأهم وأقوى الأسلحة وتنتهي بأساليب قتال دمروا من خلالها مدينة غزة التي لم تعد مؤهّلة للعيش بكافة مناطقها.
جدلية حفاة الأرجل، التي وضعت محللين وباحثين أمام الكثير من الأفكار والتبريرات، لكن ما هو واضح ولا يحتاج نقاشا أو إيضاحات، أن المقاومة انتصرت في عملية «جحر الديك» وحققت مكاسب عسكرية، في إجراء بسيط حتما لم يؤخذ عبثا، فكانت نتائجه هامة وكبيرة، فهي غزة التي تتصدى لحرب هي الأشرس بتاريخ البشرية، ما يجعل من التصدي لها ومواجهتها يحتاج إجراءات وتكتيكات استثنائية، وهو ما تقوم به المقاومة، وتفرضه على الاحتلال، منتزعة النصر وملحقة بالاحتلال الخسائر تلو الأخرى، وهذا ما ينتظره الغزيون وكل باحث عن العدل والسلام العادل.
"الدستور"