صمود الشعب الفلسطيني وبسالة المقاومة
د. محمد ناجي عمايرة
17-12-2023 06:37 PM
منذ سبعين يوما يتواصل طوفان الأقصى المبارك .
هذه المنازلة الكبرى الأوسع في تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي والإسلامي مع العدو الصهيوني المحتل.
وتتعاظم انجازات المقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة والضفة الغربية يوما اثر يوم مثلما يشتد صبر الشعب الفلسطيني كله وخاصة في غزة المقاتلة التي تصمد في وجه حرب الإبادة الشاملة والجرائم الوحشية البشعة والمدانة عالميا التي يقترفها الاحتلال بلا رادع ولا ضابط والتي تستهدف بوضوح الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين بعامة في الوقت الذي يفشل فيه جيش الاحتلال النازي في ميدان القتال الحقيقي ويفقد كل يوم العشرات من الضباط والجنود والآليات العسكرية.
ولا شك ان العدو في هذه الجرائم يحاول التغطية على وضعه البائس امام بسالة المقاومة وصمودها وصلابتها ودقة ضرباتها القاصمة .
لقد احدث طوفان الأقصى منذ اليوم الاول زلزالا شديدا في المنطقة والعالم وهو يلقى كل يوم موجات جديدة من شعوب اميركا وأوروبا ودول العالم تأييدا وتفهما وتعاطفا مع القضية الفلسطينية بانها قضية شعب احتلت ارضه قبل قرن من الزمان وعلى مراحل عديدة وبالقوة المسلحة الغاشمة وتأييد دول استعمارية تدعم وجود الصهاينة وتوظف ذلك لمصالحها الخاصة .
لا شك ان هذه المنازلة وما يتلوها ستحدث تغييرا واسعا في الرأي العام العالمي . لكن قوى الشر والهيمنة والفصل العنصري سوف تزداد شراسة وتزيد دعمها للاحتلال الذي ينفذ أهدافها ويحقق مصالحها.
وبقدر هذه النتائج التي لا يرتاح لها الغزاة المحتلون تبدو الصورة الحقيقية اشد وضوحا من اي وقت مضى .
والى جانب ذلك تتضح طبيعة المواقف وردود الفعل على مختلف المستويات والصعد الوطنية والعربية والاسلامية والدولية .
ورغم اختلال موازين القوى العسكرية والمادية فان عنصر إرادة القتال يتفوق لدى المقاومة والشعب الفلسطيني إلى جانب المستوى الانساني العالي لدى المقاومة في مواجهة الاحتلال وأبعاد ها المختلفة و خاصة البعد الأخلاقي لدى المقاومة الذي تفتقده حكومة الاحتلال بما تمارسه من تدمير شامل، لا يحترم قانونا ولا يأبه بحقوق الانسان.
ولعل لجوء الاحتلال الصهيوني إلى حملة من الأكاذيب والتلفيق والمغالطة في روايته للأحداث اليومية في المعركة او في جذور الصراع وامتداده ، وتنكر حكومة نتنياهو لكل الحقائق على الأرض وقلبها وتزويرها، لعل ذلك هو ما يجعلها تتخبط في مواقفها وفي رواياتها وتمارس سياسة الارض المحروقة مستخفة بكل ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة في شتى دول العالم وشعوبه.
ناهيك بان الدعم الاميركي السياسي والعسكري لهذا العدوان والبحث له عن ذرائع واهية وكاذبة واولها حكاية ( حق الدفاع عن النفس ) ثم وصف المقاومة ب ( الارهاب ) وتشويه صورتها اما العالم بروايات كاذبة وسخيفة لا صلة لها بالواقع.
ويضاف إلى ذلك تجاهل حكومة الاحتلال و حاميتها الاولى بل شريكتها في جرائم الحرب التي تقترفها ضد المدنيين والمؤسسات الطبية والمشافي والمدارس بلا تمييز .
وكذلك الحصار المفروض على قطاع غزة ومنع وصول الدواء والغذاء وحتى المياه والغاز والكهرباء ووسائل الاتصال إلى غزة.
وقد أظهرت جهود الأمم المتحدة وخصوصا أمينها العام وجهود الدول الأعضاء حجم العزلة التي منيت بها حكومة الاحتلال والدول القليلة جدا التي تدعم سياساتها وممارساتها فباتت مكشوفة بلا اي غطاء.
وحين نأتي إلى المواقف العربية والاسلامية سواء من حيث الدعم السياسي او المادي نشعر بالأسف لأنها بعامة لا ترقى إلى المستوى الذي تريده الشعوب وتدعو إليه.
ولا شك ان هناك مواقف عربية واضحة ومتقدمة على غيرها في طليعتها موقف الأردن ملكا وحكومة وشعبا الذي لم يدخر جهدا في سبيل دعم صمود الشعب الفلسطيني وتعزيزه سياسيا في المحافل الدولية وخاصة في الأمم المتحدة ومجلس الامن وتواصل المسيرات ووقفات التأييد والتضامن الشعبية الواسعة التي تعم المحافظات يوميا وبلا توقف ،وإنسانيا من خلال اقامة المستشفيات الميدانية ونشرها في عدد من المواقع في غزة والضفة الغربية وارسال المساعدات الطبية والمواد الإغاثية و الغذائية المختلفة . وهو جهد يلقى التقدير والإشادة من الأشقاء الفلسطينيين بعامة. ولعليّ سأقف عند هذه المسألة اكثر في مقالة لاحقة.
وثمة مسألة مهمة ينبغي الوقوف عندها وهي استهداف الصحفيين مباشرة وخاصة الصحفيين والإعلاميين العرب الذين يعملون بمهنية عالية وشفافية ووضوح وينقلون ممارسات جيش الاحتلال بالصورة والكلمة ويوثقون جرائمه. وقد بلغت حصيلة الصحافيين الفلسطينيين الذين ارتقوا شهداء او أصيبوا خلال متابعتهم لسير العدوان الصهيوني اكثر من ٩٠ صحفيا.
وهذه الممارسة تعكس بوضوح مدى خوف العدو من الإعلام الحقيقي ، ومحاولاته الفاشلة لتغطية ممارساته عن عيون الكاميرات.
وهنا نحيي زملاءنا الصحفيين في مختلف مواقع وميادين المعركة ونعرب عن اعتزازنا وفخرنا بمهنيتهم العالية ونترحم على الشهداء وندعو بالشفاء العاجل للمصابين منهم ونخص بالذكر مراسلي فضائية الجزيرة الذين كانوا الأكثر استهدافا من قبل جيش الاحتلال.
اما حكاية محاولة استعادة المحتجزين الاسرائيليين لدى فصائل المقاومة ففيها ما يدعو إلى الضحك من تخبط العدو ورواياته الملفقة وتهديدات نتنياهو ووزرائه التي تذهب سدى ، وتصطدم ببسالة المقاومة وصلابتها وتمسكها بشروطها في اي عملية تفاوضية للتوصل إلى اية هدنة إنسانية او إتفاق لوقف الحرب العدوانية مقابل تبادل الأسرى والمحتجزين سواء مدنيين او من جنود الاحتلال وضباطه.
لقد بات ايقاف العدوان فورا مسألة ملحة وضرورية لأسباب إنسانية واضحة وهو ما ندعو المجتمع الدولي بشتى مؤسساته الرسمية والشعبية إلى الضغط الفاعل والمؤثر باتجاه تحقيقه.
المجد للمقاومة والخلود للشهداء الأبرار والشفاء للمصابين.
والطوفان يتواصل ..