تمر بلادنا هذه الأيام بحالة حراك اجتماعي غير مسبوقة . ومرد ذلك حالة الانسداد الاقتصادي والسياسي التي نعاني منها كنتيجة تراكمية لسياسات الحكومات المتتالية في العشر سنوات الأخيرة. فقد عشنا حالة من عدم الاتزان الاقتصادي .وانتشرت في البلاد سياسات الخصخصة المسعورة التي تبناها رجال المال والأعمال . وكان من نتيجتها تهميش نظام الإدارة في البلاد وتحويل معظم المؤسسات العامة إلى مؤسسات خاسرة بيعت في المزاد العلني بأبخس الأسعار.
وقد أدت هذه السياسات لمزيد من المديونية التي وصلت أرقامها (12) مليار دولار . تسرب معظمها على شكل هبات ومنح وامتيازات صبت في جيوب الطبقة الجديدة التي أثرت وانتفخت جيوبها على حساب الشعب والوطن. وفي الوقت نفسه تراجعت حياة الغالبية العظمى من الناس ووصلت المعونة الوطنية أرقاماً لم تصلها من قبل ، حيث أصبحت ترعى (100) ألف اسرة أي بحدود نصف مليون مواطن على أقل تقدير .
في ظل هذا المناخ الغير صحي جرى صياغة انظمة وقوانين اسهمت في تردي الحالة السياسية ابرزها قانون الصوت الواحد الذي أفرز مجالس نيابية عاجزة . فمنها من كان عالة على الحكومة . ومنها من كان عالة على الحكومة والشعب . وشهدنا أداء نيابي بائس لم يحتملة رأس الدولة الذي أمر بحل مجلس النواب السابق. وجرت الانتخابات النيابية الجديدة بنفس القانون وبالتالي من غير المتوقع أن نشهد عمل مؤسسي تشريعي ورقابي. وقد برز ذلك في منح الحكومة الأكثر كرهاً من الشعب الأردني ثقة نيابية لم تمنحها حكومة في دول تحبوا على مسار الديمقراطية .
وقد استشعر جلالة الملك عمق الهوة بين الحكومة والشعب وكان قراره بقبول استقالتها. وها هي الحكومة الجديدة القديمة لا تختلف كثيراً عن الحكومة السابقة سوى في الظرف والنوايا بالكاد حصلت على ثقة نفس المجلس.
إن من استمع لأكثرية كلمات النواب لا يخالجه شك بأن هذا المجلس قد استهلك شرعيته في وقت قياسي . حيث لم يظهر الكثير من النواب فهماً لما يجري في بلدنا ومن حولنا . فالمنطقة تمر في حالة مخاض غير مسبوق أدت إلى انهيار نظامين أفسدا البلاد والعباد وقلعا من جذورهما . ومطروح على الطاولة على الأقل نظامان آخران للرحيل .
في هذه الأجواء المحمومة الملبدة بالغيوم يخرج علينا نواب من نواب الأمة بكلام ينقض الوضوء. واحد تأثر كثيراً بصاحب خطاب التهافت الذي دعا فيه لقتل الشعب وملاحقته دار دار وبيت بيت وزنكة زنكة عقاباً له على الكفر بحكم الطاغية . والنائب العتيد يعيدنا لأيام داحس والغبراء ويستنجد بعشيرته ويعرب عن استعدادة لمقاومة فئات عريضة من الشعب دبت الصوت ودقت ناقوس الخطر من استمرار الحال على حالة . فاستخدم النائب صوته العالي وحصانته النيابية لشتم الألاف من ابناء الشعب ووصفهم بالنذالة والحقارة . عبارات يندى لها الجبين وتتقزز الأذن من سماعها . ولم يكتف بهذا الحد بل طالب بترحيل المتظاهرين لجسر الملك حسين مستنجداً بالعدو الصهيوني الذي لا يكل مفكروه عن القول والعمل لحل مشاكل الاحتلال على حسابنا. أما النائب الأخر فقد استحضر شاعر الجاهلية دريد بن الصمة ولكن بالشقلوب . فهو يقر بأنه بلطجي في الدفاع عن الأردن وقيادته .
شيء مؤسف أن يصدر هذا الكلام ممن يفترض أنهم يمثلون العقل الأردني المتعلم والمثقف وواسع الصدر والطيب والكريم في خلقه واخلاقه. إن ما صدر عنهم كلام ينقض الوضوء ويؤسس لحالة غير مسبوقة في الحوار السياسي وعليهم الاعتذار على الأقل ثلاثاً لنطمئن لحالة الطلاق البائن بينونة كبرى مع هكذا أفكار ومواقف عقيمة .