الحارس والوزير والأردن الذي نريد
باتر محمد وردم
05-03-2011 02:41 AM
في يوم الجمعة الماضي توجه وزير الأشغال العامة والإسكان يحيى الكسبي إلى وزارته لمتابعة الأعمال المستعجلة في يوم العطلة الرسمية وهو يقود سيارته الخاصة التزاما بعدم استغلال السيارة الحكومية خارج أوقات الدوام الرسمي. على بوابة الوزارة استوقفه حارس الأمن والمؤتمن على سلامة الوزارة ومقتنياتها ليطلب من الوزير تعريفا بهويته. الوزير لم يغضب ولم تأخذه العزة بالإثم وإنصاع باحترام لمطلب الحارس الأمين وقدم هويته له ، فما كان من الحارس إلا أن سجل في قيد الزوار والمراجعين موعد دخول الوزير وخروجه في ذلك اليوم.
شخصان في موقعين مختلفين تماما ، يقومان بمهام تتباين في خصائصها وحجمها ، التقيا في حالة فريدة واستثنائية في يوم جمعة ليقدما معا نموذجا للأردن الذي نطمح إليه. لو كان كل أردني في مكان عمله ينفذ ما هو مطلوب منه بهذه الروح الإيجابية والالتزام بالقانون لكان الأردن بألف خير. الحارس الذي يقوم بدور حماية الوزارة يتعامل مع الجميع بمنطق واحد سواء كان وزيرا أو زائرا ، والوزير لا يرى نفسه فوق القانون ولا يهدد الحارس بالويل والثبور ولا يقول له "ويحك ألم تعرفني؟" بل ينفذ التعليمات التي هو مسؤول شخصيا عن دقتها. ما هو مطلوب منا جميعا كمواطنين أردنيين ، كوزراء ونواب وحزبيين وصحافيين ومستثمرين وموظفين حكوميين وتجار ومهنيين هو أن نكون مخلصين وملتزمين بالقانون وهذا هو جوهر الإصلاح الذي نتحدث عنه بصخب شديد منذ اسابيع.
الإصلاح لا يكون فقط من خلال "تعديلات دستورية" أو "تغيير القوانين الناظمة للعمل السياسي" أو "مسيرات ومظاهرات في الشوارع" أو "بيانات وخطط عمل سياسية واقتصادية" ولا شعارات تجذب الرأي العام ولا عن طريق إدعاء الحق ونزعه عن الآخرين فهذه كلها أدوات عمل ولكن الإصلاح لن يتحقق من دون الالتزام بثلاثة قيم في كل الأعمال التي نقوم بها منذ صحْونا من النوم صباحا وحتى عودتنا إلى الفراش ليلا. هذه القيم هي الأمانة والإتقان والإخلاص في تنفيذ ما هو موكول لنا من مهام في أي موقع نتواجد فيه ، ومن دون ذلك لا يكون الإصلاح إلا مجرد شعارات نتغنى بها للتغطية على سوء الأداء.
الأمم لا تنهض بالكلمات بل بالجهد والعرق ونحن في الأردن نمتلك تاريخا طويلا من هذه الإنجازات التي قام بها رجال ونساء الرعيل الأول من الأردنيين من مؤسسي الدولة. ولكن العقود الماضية وربما بالذات في آخر 25 سنة أدخلت مظاهر الهدر في إدارة المال العام والثراء السريع سواء من خلال القطاع العام أو الخاص أو العقارات والأراضي والبورصات والعودة إلى الولاءات الجهوية الضيقة على حساب الولاء الوطني الأشمل وكذلك انتشار ثقافة الفهلوة في كافة مناحي الحياة على حساب ثقافة الإتقان. عندما بنى آباؤنا وأجدادنا هذه البلاد فعلوا ذلك بمنظومة من قيم إدارة الدولة التي حققت نجاحات كبيرة ولكن الأجيال اللاحقة وبكل أسف بدأت بإضاعة هذه المكتسبات من خلال إدارة متسرعة وباحثة عن المكاسب السريعة.
بالتأكيد لم يكن الحارس والوزير هما الشخصين الوحيدين في الأردن من الذين يقدمون نماذج بديعة في الالتزام بالقانون والامانة والإتقان والإخلاص في تنفيذ المهام الموكلة إليهم ولكن أردت أن أطرح هذا المثال التوضيحي للنمط المطلوب من كافة الأردنيين من أجل أن نبني بلدنا ونحميه ونحقق الإصلاح المطلوب ، وهذا المثال أوضح من كافة الشعارات والخطابات والبيانات السياسية التي تجتاحنا حاليا.
batirw@yahoo.com
(الدستور)