هدنة جديدة طويلة الأمد في الأفق
د. محمد خالد العزام
13-12-2023 08:22 PM
من الصعب الكتابة عما يدور في غزة هذه الأيام من قتل وتشريد ودمار شامل وطمس لكل معالم الحياة. فهو موضوع متعدد الجوانب وممتد بين ماض وحاضر وغد لا نعرف ما الذي سيأتي به. ومع ذلك لا بد من القول بأن ما يجري لا يمكن أن يوصف بأنه حرب ضد حركة حماس لأن أهداف هذه الحرب باتت واضحة للعيان وهي بكل بساطة: جعل قطاع غزة مكانا ً غير صالح للحياة البشرية، لإرغام سكانه على الرحيل عنه.
لكن يبدو أن دولة الاحتلال بدأت تتراجع ويعد ذلك بسبب الخسائر الكبيرة على أرض المعركة ناهيكم عن الخسائر الاقتصادية والاحتجاجات التي لم تتوقف منذ بداية طوفان الأقصى لذا تسعى دولة الاحتلال إلى محاولة عقد صفقة تبادل أسرى جديدة بينها وبين حركة حماس من خلال مصر، بعد أن استبعدت عقد مثل هذه الصفقة، واعتبرت أن تحقيق أهدافها من حرب الابادة لها الاولوية والمتمثلة بالقضاء على حركة حماس واغتيال رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار وكذلك رئيس أركان وقائد كتائب القسام محمد الضيف، واستعادة الأسرى من دون صفقات وغيرها من الأهداف الأخرى التي فشلت حتى الآن في تحقيق أي هدف منها باستثناء حرب الإبادة التي طالت وتطال الأطفال والنساء وكبار السن والمواطنين المدنيين وهدم البنايات على سكانها دون وازع من ضمير أو أخلاق أو انسانية، رغم أن هذه الانسانية منزوعة من الاحتلال منذ أن قدِم الى فلسطين .
فالطلب الاسرائيلي من مصر بحث إمكانية عقد صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس تشمل المجندات الاسرائيليات والجرحى من المجندين والمجندات مقابل اطلاق سراح أسيرات وأسرى فلسطينيين من كبار السن وكذلك من الاحكام العالية، دليل واضح ان دولة الاحتلال ليس فقط تتكبد خسائر فادحة في حربها العدوانية على القطاع، بل وايضاً أنها بعد أكثر من شهرين على حرب الابادة لم تستطع الوصول إلى أي من أسراها لدى حماس وبقية فصائل المقاومة، هذا من جانب ومن الجانب الآخر، والذي هو أقل ضغطاً على حكومة الاحتلال هو مظاهرات أهالي الأسرى ضد الحكومة وفي المقدمة ضد رئيس الحكومة نتنياهو الذي أبلغ أهاليهم لدى اجتماعهم مع كابينت الحرب، بأنه لا يمكن حالياً العمل على اطلاق سراح أسراهم، من خلال صفقة أو صفقات، لأن تحريرهم حسب زعمه، لن يتم الا من خلال الحرب والقضاء على المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، مما أثار الأهالي واعتصموا أمام مقر وزارة الحرب في تل أبيب مطالبين بعقد صفقات مع حركة حماس لإطلاق سراحهم مقابل اطلاق سراح كافة الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، أي تبييض السجون وفق معادل الكل مقابل الكل.
كما أن الطلب الاسرائيلي أو الاتصال مع مصر لهذه الغاية، يعني أيضاً الموافقة على هدنة أو هدن، كما حدث في السابق، الامر الذي يؤكد أن جيش الاحتلال يحتاج الى استراحة في ضوء الخسائر الكبيرة التي ألحقتها وتلحقها المقاومة في صفوفه والتي يجري تصويرها وبثها أمام العالم أجمع.
وإن تبجح اسرائيل بأنها ستواصل الحرب العدوانية وأن قواتها في كامل جهوزيتها ليس سوى لرفع معنويات الجمهور الاسرائيلي الذي بات يصدق بيانات المقاومة على بيانات حكومته والجيش، كما أن الخسائر القادمة في الاقتصاد والهجرة المعاكسة، حيث هاجر من دولة الاحتلال نصف مليون يهودي منذ السابع من اكتوبر حسب احصاءات اسرائيلية.
ومع كل ذلك فإن أي صفقة تبادل هي لصالح الشعب الفلسطيني وأسراهم وانتصار لإصرار المقاومة على تحرير وتبييض السجون الاسرائيلية من الاسرى والأسيرات الفلسطينيين.