غزة بين المقاومة والسلطة !!
محمد حسن التل
13-12-2023 05:21 PM
في الأخبار التي تتسرب عبر الصحافة الغربية أن هناك حوار مع السلطة الفلسطينية في رام الله من قبل القادة الغربيين خصوصا الانجليز حول إمكانية أن تتولى السلطة الحكم في غزة على افتراض أن إسرائيل ستستطيع القضاء على حماس وكل فصائل المقاومة ، وتؤكد الأخبار المسربة أن القيادة في رام الله تبدي استعدادها لهذه المهمة ، وهذا ما يفسر تسارع التصريحات بهذا الخصوص من قبل الكثير من قيادات السلطة واستعدادهم للعودة إلى غزة بعد الحرب ، وذهب البعض منهم إلى مهاجمة حماس والمقاومة بطريقة شرسة لحد أن أحد مستشاري الرئيس الفلسطيني قال أن حماس عار على الشعب الفلسطيني يجب التخلص منه ، وزاد في تصريح آخر أن الرئيس الفلسطيني قد أدان ما حدث في السابع من أكتوبر في كل اتصالاته العربية والدولية ولكنه لا يستطيع أن يعلن ذلك على الملأ ، وكثير على شاكلة هذه التصريحات التي تزيد النفور والانقسام بين الفلسطينيبن ولا تمهد للأرضية اللازمة لتحقيق التماسك والوحدة في هذه الظروف الصعبة .
السلطة في رام الله فشلت فشلا كبيرا في مهمتها لأسباب متعددة أهمها أنها تنازلت منذ البداية عن حقوقها وصلاحياتها حسب اتفاقية أوسلو ، ولم تترك لنفسها أو بالأحرى لم تترك لها إسرائيل إلا مهمة التنسيق الأمني الذي جعلها في مواجهة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية .
ربما تكون السلطة في رام الله تملك العذر إلى حد ما ،لما وصلت إليه من ترد وتفريغ لكل صلاحياتها ومهامها ، لأن الاحتلال عمل على ذلك ولأن كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال العقود الأخيرة التي جاءت للحكم في إسرائيل لم تكن تؤمن بالسلام مع الفلسطينيين بالأصل ، وتعتبر اتفاقية أوسلو خطأ تاريخيا في السياسة الإسرائيلية ، وهذا ما تؤكده طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية وتصريحات نتنياهو خلال الأيام الأخيرة ، لكن هناك أسباب ذاتية في السلطة نفسها أدت بها إلى هذا الوضع الكارثي ، فقد وضعت أوراقها كلها في سلة إسرائيل على أمل أن تعطيها الأخيرة شيئا ، وتجاهلت آمال ورغبات الشعب الفلسطيني في التحرر والحق في الحياة الكريمة على أرضه ورفضه الإحتلال ، وبالغت في تطبيق اتفاقية التنسيق الأمني ، حتى بات الكثير من الفلسطينيين يعتبرونها على خط العداء لهم ، ناهيك عن المرض الذي أصاب تركيبة السلطة الإدارية كأي حكومة في العالم الثالث من فساد وترهل ومحسوبيات ،وفوق هذا كله التناحر الفصائلي الأمر الذي جعل المواطنون في الضفة الغربية يدفعون ثمنا كبيرا بسبب هذه الأوضاع .
ربما من حق قيادة السلطة الفلسطينية أن تظل متمسكة بفكرتها أن السلام هو الطريق الوحيد لإنهاء الصراع ، وأن المقاومة المسلحة لن تجلب هذا السلام للفلسطينيين ، ولكن ليس من حقها أن تمنع بالقوة الشعب الفلسطيني من المقاومة لا سيما أن المحتل الإسرائيلي أدار ظهره لفكرة السلام وداس عليها واعتبر أن السلطة نفسها غير مؤهلة لأن تكون شريكا على طاولة المفاوضات، ويتهمها بأنها تساعد على العنف في الضفة بعد كل الذي قدمته ، وكأني بهذه السلطة لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت .
إذا وافقت السلطة الفلسطينية على حكم قطاع غزة" على أساس أنها تملك قرارها" ، وإذا افترضنا أن إسرائيل استطاعت تحقيق غايتها في الحرب فستكون قد وقعت في فخ كبير ، وخطت نهايتها بيدها لأن غزة ليست الضفة الغربية وهي معقل المقاومةو تحت شحن هذه المقاومة منذ أكثر من ستة عشر عاما، والمجتمع الغزي في معظمه مجتمع مقاومة وحرب ، والغزيون لن يقبلوا أن تقوم السلطة عندهم بما قامت به في الضفة ، والأهم من ذلك أن المقاومة في غزة موجودة ومتجذرة ولا يمكن لأجهزة السلطة أن تستطيع مواجهتها ، فإذا كانت الأخيرة لم تستطع مواجهة مجموعات مقاومة صغيرة في الضفة فكيف ستستطيع مواجهة قوى المقاومة مجتمعة في غزة ، وبالتأكيد سيقع الصدام بين الطرفين وستكون السلطة بين فكي كماشة ، الأول الضغط الإسرائيلي والدولي عليها واتهامها بالفشل وتأكيد النظرية الإسرائيلية بأنها لا تنفع لشيء ، وفي الاتجاه الآخر سيؤكد الشعب الفلسطيني بأن هذه السلطة ليست معه ولا تصلح لقيادته لعجزها عن مواجهة إسرائيل ، هذا إضافة إلى الوضع الاقتصادي الكارثي في غزة نتيجة تدمير كل شيء وعلى مختلف الجوانب الحياتية الأمر الذي ستعجز السلطة عن مواجهته ،ولا يقولن أحد أن المساعدات ستتدفق عليها لإعادة البناء ، فهذه وعود تبذل منذ عقود طويلة ولم يتحقق منها على أرض الواقع إلا النزر القليل .
بالمجمل إن رضيت السلطة في رام الله أن تذهب إلى غزة على الدبابة الإسرائيلية وبقرار غربي وعلى أشلاء الشهداء فستواجه مصيرا محتوما بالفشل وسيكون الثمن باهظا وستواجه الفلسطينيين أنفسهم هناك، ناهيك عن مواجهتها لهم في الضفة الغربية ، الأمر الذي سيسهل على إسرائيل الانقضاض عليها وإنهائها تماما .
أصحاب الرؤوس الحامية في رام الله يجب أن يقدروا ويفهموا جيدا تعقيدات الموقف الذي هم فيه ، سواء على مقطع الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة أو على مقطع الأوضاع الأمنية المنهارة في الضفة كذلك الموقف المتشدد من نتنياهو وحكومته تجاه السلطة ، وفي النهاية كما جرت أحداث تاريخ القضية أن العواصم الغربية ستنحاز للنظرية الإسرائيلية ، وعليهم أن ينتبهوا إلى الكلام المعسول الذي يسمعونه بأن هذه العواصم ستكون مساندة للسلطة إن ذهبت إلى غزة .
الواجب الآن على القيادة في رام الله أن تعيد تجميع الأوراق الوطنية الفلسطينية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ، وتجمع كل الفرقاء الفلسطينيبن تحت هذا العنوان الكبير وتسمح للشعب الفلسطيني أن يحدد اختياراته ومواجهاته بنفسه بعيدا عن الاتهامات والتناحر .
وأن تكون في صف شعبها فيجب أن تكون قد اقتنعت بعد كل المياه التي جرت في ملف القضية منذ ثلاثة عقود أن قوة الشعب الفلسطيني في وحدته وتماسكه وأيضا مقاومته..