كيف يُستخدم القانون الدولي لتغطية الاستيطان الإسرائيلي؟
الدكتورة شهد حموري
13-12-2023 01:51 PM
*حق إسرائيل في الدفاع عن النفس يُستدعى بشكل خاطئ في سياق احتلالها للأراضي الفلسطينية
في السابع من أكتوبر، أعلنت إسرائيل أنها "في حالة حرب". بعد هجوم حماس على مدن ومستوطنات غلاف غزة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تطلق "عملية واسعة النطاق للدفاع عن المدنيين الإسرائيليين". وبعد يومين، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حصارًا كاملًا لغزة، مقطعًا إمدادات الكهرباء والوقود والماء والغذاء معلناً "نحن نقاتل حيوانات بشرية".
منذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 18000 فلسطيني بقصف إسرائيلي على قطاع غزة، وكان أكثر من ثلثهم من الأطفال. جُرح عشرات الألاف. تم تشريد أكثر من 1.7 مليون شخص داخل القطاع، ولم يكن لدى المدنيين منطقة آمنة يلجأون إليها.
وسط هذا الدمار والخراب، كان السرد السائد في وسائل الإعلام والأوساط السياسية الغربية أن هذه "حرب"، ولإسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها" ضد "الإرهاب"، وأن معاناة الفلسطينيين هي قضية "إنسانية". هذا التصوير لما يجري - المدعوم بلغة مستعارة من القانون الدولي - يشوه الواقع على الأرض تمامًا.
كل ما يحدث الآن في إسرائيل - فلسطين يجري في سياق الاستعمار، والاحتلال، والفصل العنصري، والتي تُعتبر كلها وفقًا للقانون الدولي أوضاع غير قانونية. إسرائيل هي قوة استعمارية والفلسطينيون هم السكان الأصليون المستعمَرون. أي إشارة إلى القانون الدولي بمنأى عن هذه الظروف هي تشويه للقصة.
إسرائيل: دولة مستعمِرة
ان إسرائيل مستعمر كلاسيكي. فإسرائيل تمارس الهيمنة والتسلط على الفلسطنين بكافة أشكالها، فهي تشردهم، تيبدهم، تستغلهم إقتصادياً، تفصل مناطقهم، وتنتهك أساسيات حقوقهم البشرية وحتى تبيدهم. يُلاحَظ أن الكثير من خصوصية قضية فلسطين، وبالتالي، قابليتها للتحريف والتلاعب، هو أنها وقعت تحت الإستعمار في اللحظة التي انتهى فيها الاستعمار الأروبي نظريًا. مع هذا كان تلقيب إسرائيل بالدولة مستعمِرة واضحًا في الأيام الأولى للأمم المتحدة.
على سبيل المثال، وصف ممثل وكالة اليهود، أحد أهم المنظمات الممثلة للمشروع الصهيوني، أيال وايزمان، خلال جلسات استماع لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين عام 1947 حول طلب إسرائيل بالإنضمام للأمم المتحدة ما كان يحدث في ذلك الوقت بأنه "استعمار يهودي لفلسطين".
أما القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الفترة من 1950 إلى 1970، فغالبًا ما كانت تربط فلسطين بدول أخرى مستعمرة. على سبيل المثال، أعلن القرار 3070 لعام 1973 أن الجمعية العامة "تدين جميع الحكومات التي لا تعترف بحق تقرير المصير والاستقلال للشعوب، ولا سيما حقوق شعوب أفريقيا التي لا تزال تحت السيطرة الاستعمارية والشعب الفلسطيني".
وبالمثل، تم تصوير قضية فلسطين أيضًا كقضية مشابهة لقضية جنوب أفريقيا التي أدان فيها العالم نظام الفصل العنصري. على سبيل المثال، قال القرار 2787 لعام 1971 إن الجمعية العامة "تؤكد شرعية كفاح الشعوب من أجل تقرير المصير والتحرر من الهيمنة الاستعمارية والتسلط الأجنبي، ولا سيما في جنوب أفريقيا وبالأخص لشعوب زيمبابوي، وناميبيا، وأنغولا، وموزمبيق، وغينيا [بيساو]، فضلاً عن الشعب الفلسطيني بجميع الوسائل المتوافقة مع ميثاق الأمم المتحدة".
بعد حرب 1967، مهد إحتلال الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية للتوسع التدريجي للأجندة الإستيطانية الصهيونية. وصفت المندوبة الخاصة للأمم المتحدة بشأن حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، في تقريرها A/77/356 المستوطنات ك"توسع استعماري" في الضفة الغربية.
تم ردم سردية الاستعمار مع توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993، والتي روجت دولياًعلى أنها "اتفاقية سلام" تضع حداً لـ"النزاع الفلسطيني الإسرائيلي". بالطبع، لم تفعل شيئا من هذا القبيل. وواصل قمع وتشريد الفلسطينين على يد المستعمرين الإسرائيليين.
**حق الدفاع عن النفس وحق المقاومة
إزالة سياق الاستعمار والاحتلال قد سهلت تصوير الفلسطينيين على أنهم يندرجون حصريًا تحت واحدة من فئتين: إما "ضحايا" أزمة إنسانية أو "إرهابيين".
من ناحية، يُخفي تصوير معاناة الفلسطينيين كمسألة إنسانية الأسباب الجذرية لها. كما أشارت تقارير عديدة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، فإن الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري قد دمرت الاقتصاد الفلسطيني ودفعت الفلسطينيين نحو الفقر. التركيز على العنصر الإنساني يؤدي إلى استمرار الاعتماد على المساعدات ويرمي مطالب المساءلة والتعويضات في الخلفية.
من ناحية أخرى، يُخفي السرد الذي يصور الفلسطينيين كـ"إرهابيين" الحقيقة بأن هدف الجيش الإسرائيلي كان دائماً القضاء على "مشكلة الفلسطينيين" بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك التطهير العرقي والخضوع والتهجير. كما أنه ينكر على الشعب الفلسطيني حقه في المقاومة، وهو حق مُعترف به في القانون الدولي.
يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمته أن "من الضروري، حتى لا يجبر الإنسان، كحل أخير، إلى التمرد ضد الطغيان والقمع، أن تُحمى حقوق الإنسان بموجب سيادة القانون". عند التمعن في هذا النص يتضح أن التمرد ضد الطغيان والقمع في الحالات الشديدة من انتهاكات حقوق الإنسان يعتبر مقبولاً.
وبالمثل، توفر العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة من الخمسينيات إلى السبعينيات، والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، وقضاء محكمة العدل الدولية، أدلة على شرعية كفاح الشعوب بجميع الوسائل المتاحة لها في ممارسة حق تقرير المصير.
بالطبع، بينما يقاوم الفلسطينيون بأي شكل من الأشكال، فإنهم ملزمون بقواعد القانون الإنساني الدولي.
يأتي إنكار حق المقاومة للفلسطينيين جنباً إلى جنب مع الادعاء المستمر من قبل إسرائيل وحلفائها بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". متناسين أنه لا يمكن استدعاء المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تشرعن العدوان المسلح باسم الدفاع عن النفس، عندما يأتي التهديد من داخل أراضي محتلة.أكدت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ في رأيها الاستشاري حول العواقب القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة (2004).
وفقاً للقانون الإنساني الدولي، تعتبر غزة محتلة من قبل إسرائيل ولا يمكن للأخيرة أن تدعي الدفاع عن النفس كسبب مشروع لعدوانها ضد تهديد ينبع من داخل أراضي تمارس عليها السيطرة الفعالة.
من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من انسحاب إسرائيل من جانب واحد لجنودها ومستوطناتها من غزة في عام 2005، إلا أنها لا تزال تمارس سيطرة فعالة على الأراضي. أصبحت هذه الحقيقة واضحة بشكل صارخ خلال الشهرين الماضيين حيث لجأت إسرائيل إلى قطع الطعام، الماء، الإمدادات الطبية، الكهرباء والوقود - وكلها ضرورية لوجود سكان غزة.
في هذا السياق، ترتكب إسرائيل جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية في غزة ليس في سياق "الدفاع عن النفس"، بل في سياق الاحتلال. قام الجيش الإسرائيلي بالاستخدام التعسفي وغير المتناسب للأسلحة المتفجرة، والتهجير القسري لأكثر من 1.7 مليون شخص في غزة، وقطع الوقود، الكهرباء، الطعام، الماء والإمدادات الطبية، وهو ما يرقى إلى العقاب الجماعي.
للأسف، هذه الجرائم ليست استثناء، بل جزء من العنف النظامي المستمر الذي تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني على مدى الـ75 عامًا الماضية.
*قوانين الحرب العتيقة
في محاولة لتبرير عدد الضحايا المدنيين المروع في غزة، لجأت إسرائيل وداعموها إلى الاستشهاد بقوانين الحرب (القانون الدولي الإنساني)، مستخدمين مصطلحات مثل "الدروع البشرية " و"التناسب"(اشتراط تناسب العقوبة مع الجريمة). إن الحجج المستخدمة لدعم هذه المبررات معيبة وتعاني من نقص الأدلة. بالإضافة الى ذلك فإن قواعد القانون الدولي الإنساني عتيقة ومُسيسة.
وُضعت قوانين الحرب خلال العصور الاستعمارية لتنظيم استخدام القوة بين الدول السيادية. وكان من الواضح أن المستعمرات لم تعتبر ندًا سياديًا متساويًا، وصُممت القوانين للحفاظ على الهيمنة على الشعوب والأراضي والموارد الأصلية.
هذه القوانين لا تأخذ في الاعتبار التفاوت في القوة بين أطراف النزاع. لا تستجيب للتغييرات التكنولوجية في الحروب. وليست مصممة لأخذ الاعتبارات الاقتصادية والسياسية التي تشكل الحرب. على مدى الـ75 عامًا الماضية، تم بذل جهود كبيرة لتحدي هذه النواقص، لكن الدول المتقدمة قامت بتقويضها بشكل منهجي.
ليس من المستغرب أن معظم الحروب المعاصرة تحدث خارج الدول المتقدمة، وأن الأرباح الناتجة عن أعمال الحرب تغذي بشكل رئيسي اقتصادات الدول المتقدمة.
ليس من مصلحة الدول القوية تحديث هذه القوانين بطريقة تتوافق مع الواقع على الأرض. بدلاً من تحديث قوانين الحرب لتكون مناهضة للاستعمار، فرضت الدول المتقدمة خلال العشرين عامًا الماضية إطارًا جديدًا يتكيف مع "حربه ضد الإرهاب".
لذلك، ليس من المستغرب أنه بينما تقوم إسرائيل بإبادة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، تعكس ردة الفعل القانونية الدولية السائدة موقفًا استعماريًا مستمرًا يتجاهل التشويهات وسوء التمثيل ويرفض تسمية الأشياء بأسمائها - الاستعمار الاستيطاني، المقاومة، وحق الشعب في تقرير المصير.
الطريق الوحيد للخروج من دوامة العنف الوحشي هو الاعتراف التام والواضح بالسياق الاستعماري في فلسطين. يجب على إسرائيل أن تنهي استعمارها واحتلالها وسياسات الفصل العنصري في فلسطين وأن تتحمل المسؤولية التاريخية الجنائية والمادية لجرائمها.
*دكتورة في القانون الدولي بجامعة كنت – بريطانيا
*محاضرة في القانون الدولي في جامعة كنت ومستشارة قانونية دولية. تركز أبحاثها على اقتصاد الحروب والنظريات النقدية. وهي مؤلفة الكتاب القادم "أرباح الحروب والقانون الدولي".