يصعب اختزال القضية الفلسطينية بحرب غزة، ولذلك للسابع من أكتوبر/ 2023 امتداد طويل في عمق التاريخ المعاصر يرتبط بخمس وسبعين عاما وأكثر، فقرار تقسيم فلسطين عام 1947 اتخذ من طرف واحد صهيوني وبعد الالتفاف على الأمم المتحدة مع المعرفة المسبقة بأن العرب سيرفضون القرار بسبب قدسية فلسطين بالنسبة لهم ولكامل عمقهم الأيدولوجي الإسلامي والمسيحي، ولكونها حاضنة للمقدسات في القدس، وصدور القرار 181 بتاريخ 29/ نوفمبر/ 1947 عنى للعرب الشروع بالسيطرة على فلسطين، وبقيت إسرائيل وحتى الساعة تدير ماكنة دعايتها لتقول للرأي العالم العالمي بأن العرب رفضوا بداية قبولهم بالدولة، والآن يطالبونها بالدولة، فما الذي تغير؟
وقررت الصهيونية التي تسلحت بفكر تيودور هرتسل ومؤتمره في بازل بسويسرا عام 1897، وعصابات (شتيرن والهاغانا والآرغون) الإرهابية شنت حرب كبيرة على العرب عام 1948 عرفت بالنكبة لغياب الوحدة العربية، وبسبب خسرانهم لها أمام إسرائيل. والمعروف هو بأن الجيش السوفيتي الأحمر هو من حرر العالم من النازية الألمانية نهاية عام 1945، ولم يبدأ الحرب، وكتاب البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف "من بدأ الحرب ؟ " يؤكد لنا ذلك، وبعد ما سمي تضليلاً بالمحرقة اليهودية التي راح ضحيتها ستة ملايين يهودي وغيرهم الكثيرين من السوفييت والأوروبيين، تم الدفع باليهود صوب فلسطين رغم توجه الزعيم جوزيف ستالين لإرسالهم الى القرم وسخالين. واشتركت إسرائيل إلى جانب بريطانيا وفرنسا عام 1956 بعدوان ثلاثي مشترك على مصر بعد تأميم قناة السويس من قبل جمال عبدالناصر، فساند الإتحاد السوفيتي مصر، وبني السد العالي الهدف، ولم يذهب عبد الناصر لسلام من دون مقابل .
وبقرار مشترك من القوميين العرب اندلعت حرب حزيران عام 1967 بهدف تحرير فلسطين التاريخية تحت شعار لجمال عبد الناصر حينها "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وأوقف السوفييت الحرب الخاسرة بفيتو. وخاض الأردن وقواته المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي والفدائيين الفلسطينيين معركة الخندق الواحد "الكرامة" عام 1968 وكان النصر ساحقا للجبهة الأردنية. وسيناء التي خسرها العرب عادت بقوة السلام بعد معاهدة كامب ديفيد 1978 / 1979، ورفضت دمشق مرتين إعادة الجولان المحتلة – الهضبة العربية السورية - عبر قنوات السلام في زمن اسحاق رابين 1995، وأوردوغان 2019، وحاول القوميون العرب في حرب تشرين المنتصرة عام 1973 وبمشاركة الجيش العربي الأردني اعادة ما احتلته إسرائيل عام 1967 فكان لهم تحرير مدينة القنيطرة الجولانية. وكان السوفييت الى جانب العرب كعادتهم .
ولم يذهب الأردن الى السلام مع إسرائيل أولا، فانتظر مصر عام 1979، ووقع السلام عام 1994، وأعاد اقليمي "الباقورة والغمر" من فكيها بإصرار مباشر من جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، وهدف الى خدمة الأشقاء الفلسطينيين ذات الوقت، ولترسيم الحدود الجغرافية والمائية.
وقبل معاهدة السلام الأردنية عبرت المنطقة نفق معاهدة أوسلو عام 1993 بعد مؤتمر مدريد 1991. وقبل ذلك توجه الأردن لفك الارتباط عام 1988 منطلقا من مخرجات قمة الرباط عام 1974، وأصبحت القضية الفلسطينية العادلة وجها لوجه مع نار الاحتلال الإسرائيلي المحتمي بغروره بأحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة سلاح "الفيتو" خدمة للإحتلال. ويعتبران معا حركات التحرر العربية ارهابية، وكل دولة عربية تقاوم الاحتلال كذلك. وفي وقتنا المعاصر وبعد مرور أكثر من شهرين على طوفات الأقصى، نلحظ مواقف منصفة للقضية الفلسطينية تتقدمها دول كبرى، ومن أهمها روسيا الإتحادية العظمى – قائدة مسار عالم متعدد الأقطاب منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وتحديدا بعد انطلاقة العملية الروسية الخاصة التحريرية الإستباقية الدفاعية بتاريخ 24/ شباط / 2022 لمواجهة مؤامرة الغرب الأمريكي على روسيا وأوكرانيا معا بحجة الدفاع عن سيادة أوكرانيا واستقلالها، والذي هو محض سراب وخديعة كبرى اكتشفتها موسكو مبكرا، وتمكنت من دحر المؤامرة في عقر دارها . فهي تقف علنا الى جانب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ويتقدم موقفها الرئيس فلاديمير بوتين الذي وجه بلاده عبر مجلس الأمن ومنذ اللحظات الأولى لحرب غزة من أجل المناداة بوقف الحرب فورا، وهي التي طالت حياة المدنيين الفلسطينيين، وتسببت بإستشهاد أكثر من 18 الف وخمسمائة فلسطيني. وليس صحيحاً أبداً بأن حماس استهدفت المدنيين الإسرائيليين وهي ليست إرهابية. وقابل هذا المشهد استهداف علني إسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، لكي لا يصبحوا فدائيين حسب نظريتهم النازية الخاوية.
وتتصدر روسيا بوتين دول شرق وجنوب العالم في المطالبة بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وبتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية، وتقيم علاقات مع كل من إسرائيل وحماس والجهاد والسلطة الوطنية الفلسطينية وإيران والصين وبتوازن. ووقفت بوجه ابادة إسرائيل للفلسطينيين في غزة، ووصفت تطويق إسرائيل لغزة بحصار ليننغراد، واستضافت في عاصمتها موسكو حماس والجهاد وأخيرا إيران. وهو الأمر الذي جعل إسرائيل تشتاط غضبا، وهي التي اعتادت أن تكون مظلتها المساندة لها ومن دون الحاجة لتفكير مسبق - الولايات المتحدة الأمريكية.
وموقف الصين الشعبية مشابه ومساند للموقف الروسي، وجولات نقاشية وعلى مستوى الفيتو المشترك في مجلس الأمن لصالح القضية الفلسطينية، وبهدف ايقاف الحرب في غزة فورا لأسباب إنسانية. وقابل توجههما موقف أمريكي سلبي متكرر على مستوى الفيتو هدف إلى استمرار الحرب بغض النظر عن النتيجة المأساوية التي انعكست على أهل فلسطين في قطاع غزة وعلى أطفالهم، والهدف الأمريكي الإسرائيلي المزدوج تفريغ القطاع من حماس بعد فشل مشروعهما في التهجير القسري للفلسطينيين تجاه مصر والأردن. والمعروف هو بأن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الفيتو 46 مرة لصالح إسرائيل منذ عام 1947.
وتعرف إيران بأنها المساعد الأكبر لحركات التحرر العربية مثل حزب الله وحماس والجهاد، عسكريا وتقنيا ولوجستيا، لكنها تبقي قرار فتح النار لكل حركة على انفراد، ولم يلاحظ في معركة غزة وجود تنسيق مشترك للمقاومة العربية لتشكل جبهة واحدة ضد الاحتلال، ويأتي حراك الحوثيين في قاع البحر الأحمر فزعة للشعب الفلسطيني ذو أهمية. وتصريح ساخن للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي أثناء لقائه الرئيس بوتين في موسكو مؤخرا بوصفه مجزرة إسرائيل ضد الفلسطينيين وأطفالهم في غزة بالإبادة.
والرئيس التركي رجب طيب أوردوغان سجل ولازال موقفا شجاعا ضد حرب الإبادة الإسرائيلية التي وجهت للفلسطينيين وأطفالهم في غزة، وهو من طالب بوضع ملف إسرائيل النووي العسكري فوق طاولة المجتمع الدولي لتصبح منطقة الشرق الأوسط خالية منه، وليعم السلام والتنمية الشاملة بدلا من العنف والحروب المدمرة للبشرية والحضارات. ولتركيا أوردوغان تجربة قاسية مع إسرائيل في حادثة سفينة مرمرة عام 2022.