لا ريب أن الحزن يتملك كل إنسان حر في هذا العالم ، وتنفطر القلوب للمجازر والمآسي والمعاناة التي يعيشها إخوتنا في قطاع غزه المحاصرة برا وجوا وبحرا .
يزيد قلمي حزنا وآسى ويشدو ألما ووجعا ، ويئن أنينا مكتوما ليفضي بآلامه على هذه الأسطر فلعلها تسطيع أن تخاطب عقولا مرهفة وأنفس سوية ، بات همه همي وامره أمري ، فقلمي عظمي وحبره ومداده من دمي.
إن ما يحدث في غزة اليوم لما كان ليحدث لو كانت أمتنا أمة قوية متحدة معتصمة بحبل الله غير متفرقه ، ولكن للأسف أمتنا اليوم تعيش في أسوأ فتراتها ويتملكها اليأس ويكسيها التمزق والفرقة والشتات.
لا بد أن لا يغيب على كل إنسان عاقل أن غزة حرة أبية صامدة شامخه ، وكأية حرة أخرى فإن غزة تضحي بدمائها وابنائها ونسائها وشيوخها من أجل حريتها وحفظ كرامتها وعزتها.
إن القضية الفلسطينية لا يفهمها ولا يعيها إلا العقلاء والحكماء ، فهي ليست قضية “حماس” او"الجهاد" او "فتح" او الأحزاب الأخرى أو قضية العرب، بل هي قضية الامه الإسلامية جمعاء ، قضية مليارين مسلم على هذه البسيطة، ولكن هذه الأمه غرتهم الحياة الدنيا ونسوا واجبهم تجاه قضيتهم الاولى ورضوا بالخنوع والذل والخذلان والهوان إلا من رحم ربي، والعاقبة للتقوى .
فيا من تخليتم عن غزة واهلها ، ووقفتم موقف المشاهد الصامت الأعمى الأصم الذليل المتخاذل المتهاون المتقاعس وتركتم غزة وحدها فريسه يلتئمها عدو صهيوني محتل غاصب لارضها، وكيان متربص دوما بكم وبها وينتظر الانقضاض عليكم متى ما سنحت له الفرصه ...
ألا آن لكم أن تصحوا من غفلتكم وغفوتكم وتعودوا إلى رشدكم؟؟
غزة اليوم أمام مرأى ومسمع العالم لوحدها أمام بني صهيون الطغاة الغزاة الرعاة الحفاة، ومعها قوى الشر امريكا والغرب، تصارع وتقاوم وتقارع أكبر جيوش العالم على الإطلاق ، واعظم ترسانه حربيه وعسكريه في العالم ، واحدث آلة حربيه متطورة ، واقوى اجهزة استخبارات في العالم .، وغزة بجهادها ومقاومتها ودفاعها هي تدافع عن أمة الإسلام أجمع ، تدافع عن المقدسات الاسلاميه وقبلة المسلمين الأولى(المسجد الاقصى) .. تدحر العدو وحدها بعد ما ولت الأمة مدبره منذ عقود من الزمن .. وتجاهلت صرخات أطفالها واستغاثة نساءها وشيوخها وجراح مصابها النازفة حتى الموت .
فمن لك غير الله يا غزة ؟؟
غزة ومنذ اكثر من سبعة عشر سنه وهي تحت الحصار ، واجهت الكثير من اصناف العذاب والتهجير والاضطهاد والغدر والخيانة والتجويع وحرمان الراحة والطمأنينة والاستقرار، فضلا عن الحروب الثلاث التي فتكت بها ( ٢٠٠٨_٢٠٠٩) والتي استمرت ٢٣ يوما ، وحرب ٢٠١٢ التي استمرت ٨ أيام ، وحرب ٢٠١٤ والتي استمرت ٥١ يوما.
مع كل هذه الحروب التي انهكتها لكنها لم تجبرها الآلة الصهيونية ولا الحصار ولا القصف المستمر ولا عمليات الأسر والاغتيالات ابدا على الركوع وطأطأة الرأس والانكسار والخضوع والإستسلام ..
هذه هي غزة العزة والكرامة والشهامة والبسالة التي تضرب للعالم اروع البطولات في الصبر والثبات والرباط والمقاومة.
غزة الصمود بعنفوانها وثباتها ورباطة جأشها مصدر إلهام حي وحقيقي للمقاومه وشعبها الحر ، وهي قلب عربي مسلم نابض بالحق والإيمان والصبر والثبات والكفاح والمقاومة، وهي الدرع القوي والسد المنيع للقضية الاولى للأمة الإسلامية ، وقد قال فيها محمود درويش :
ســــقط القناع عن القناع
لا إخـوة ٌ لك يا أخي ، لا أصدقاء ُ يا صديقي ، لا قــلاع
لا الماء عنـدك ، لا الدواء ولا الســماء ولا الدمــاء ُ ولا الشـــراع
ولا الأمـــام ولا الــــوراء
حاصــــر حصارك َ…..لا مفـر ُّ
سقطت ذراعك فالتقطها
واضــرب عدوك .. لا مفر ُّ
وسقطت قربك ، فالتقطني
واضرب عدوك بي .. فأنت الآن حــر ُّ
حــــر ٌّ …… وحــــر
إن غزة عزيزة النفس وإن أدار العالم ظهره عنها وتركها تواجه مصيرها وحدها فهي لن ترجو ولن تستصرخ احدا ابدا ، ولن تنادي أخوة العروبه واخوة الدين فهي تعلم يقينا أنهم في سبااات عمييق...ولن يسمعوا صرخات أطفالها ، ولا استغاثة نساءها ، ولن يشاهدوا مقاطع الابادة والمجازر اليوميه التي هزت مشاعر شعوب العالم قاطبة ، فقد قست قلوبهم فهي كالحجاره وصارت بلا رحمه، واستوحشت صدورهم وقحطت اعينهم فاصبحوا غير مكترثين بما يحدث حولهم من قتل وتدمير وتهجير واذلال وتعذيب.
الكيان الصهيوني المحتل لم يراعي حرمة العباد ولا البلاد ولا دور العباده ، فاستمر في المذابح والمجازر اليوميه وابادة سكان غزة !!
دون أن تحرك مشاهد الاطفال تحت الانقاض مشاعر العالم !!
ولكن هيهات هيهات لما توعدون ايها الصهاينة المغتصبين فلن تستطيعوا أن تثبطوا من إرادة وعزيمة وهمة هذا الشعب الفلسطيني الأبي الصامد الصابر المحتسب .
قال سبحانه:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: ٤ - ٧].
اهل غزة هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يجتهدون ويصيبون، يدافعون ويصدون، متسلحين بطاعة الرحمن والإيمان بعقيدتهم ، وبعزيمة وارادة شعب فلسطين ، فمنهم من نال الشهادة, ومنهم من يناضل ويقاوم ويدك العدو دكا، ويصد المعتدي صدا ويدحر بني صهيون دحرا .
بالرغم من اهوال الحرب وهول القتل والتدمير ، والابادة المستمرة في القطاع تتلقى غزه سيلا من الاساءات والاتهامات وتشويه نضال المقاومة ، فكفوا ألسنتكم وعن الاساءه الى المجاهدين الصابرين المرابطين!!.
وأي إنسان هذا الذي يتجرأ على رجال المقاومة ويرجمها بعبارات مسيئة ومخزية بعد أن رجمتها البوارج الحربية، والطائرات، والدبابات الصهيونية الأمريكية بالقذائف ؟؟
وأنتم تقصفون غزة التي توسدت بدم شهدائها الابطال بالإساءة والقذف والتشهير والتخوين .
هل سولت لكم أنفسكم طعن غزة في خاصرتها ؟ إلى متى سيستمر حصار غزة ؟؟ هل ارتضيتم بإبادة غزة من قبل الصهاينه المغتصبين المحتلين واعوانهم ؟؟
وان موقعة «طوفان الأقصى » لم تكن وليدة المصادفة، لولا إيمان أهل فلسطين من رجال ونساء وشيوخ عاهدوا الله ورسوله على التضحية بأنفسهم ودمائهم واموالهم لما شهدنا مثل هذا اليوم التاريخي الذي سيظل شاهدا على العصر ويصبح نبراسا يقتدي به الأجيال الحاليه والمقبله، ومنهاجا تعليميا تربويا ثقافيا فكريا واستراتيجيا عسكريا يدرس في المؤسسات التعليميه والاكاديميه.
التاريخ السابع من اكتوبر بلا شك أنه يوما من أيام الله وسيصبح يوما وطنيا خالدا في الديار الفلسطينيه شاء من شاء وأبى من أبى، والأيام حبلى بالمفاجآت التي ستنقلب فيها موازين القوى لصالح المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ونحن نشاهد ونراقب توالي سقوط الأقنعة المزيفة يوما بعد يوم في حرب غزة ، فسقوط قناع الديموقراطيه الأمريكيه لعودتها لسياسة التمييز العنصري وهي التي تتدعي بالديموقراطيه بينما هي تحث وتدعو على الكراهيه والتمييز العنصري من خلال تصريحاتها المعلنه على وصف أهل غزة بالمخربين والارهابيين واستخدامها الفيتو لاكثر من مرة ضد ايقاف الحرب او من اجل الهدنه ، فضلا عن دعمها العسكري واللوجستي والسياسي والاقتصادي الكامل للكيان الصهيوني المحتل ومشاركتها في قتل الابرياء والاطفال والنساء وتدمير البنى التحتيه وتهجير سكان غزة ودعمها باستمرار الحصار على القطاع .
سقط القناع الامريكي عن حقوق الإنسان والحريات المزيف، وكشف عن الوجه الامريكي المظلم في قضايا حقوق الإنسان.
سقط القناع عن الإعلام المزيف وراء المخططات الليبرالية النابعة من الإيديولوجية الصهيونية ، الهادفة إلى ضرب وحدة العرب والمسلمين.
سقط القناع عن الإعلام الصهيوني والأمريكي والغربي المخادع المنافق الكذاب المضلل الذي يلفق التهم المجانية ويفبرك الأحداث، وسقط القناع عن الكثير من المواقع الالكترونية، ومنها سقوط قناع الملياردير مالك موقع "إكس" وتصريحاته بدعم الكيان الصهيوني مع التضييق والتقييد لحسابات المتضامنين مع غزة ، فضلا عن الجرائد المكتوبة والقنوات المرئية والمسموعه المختلفه .
سقط القناع عن المرتزقه والعملاء الإعلاميين الذي ليست لديهم حياديه ولا مهنية ، فقط ينساقون لمصالحهم الدنيئه.
سقطت الكثير من الأقنعة المزيفه ، ولازال سقوطها مستمرا .
يقينا أن الله سبحانه وتعالى سيعلي كلمته ، وينصر دينه ، وعباده المؤمنين نصرا مؤزرا ، ولن يتم ذلك إلا بالأخذ بأسباب النصر، وعوامل تحققه ، ومهما طال الانتظار وتأخر النصر ، فإن فجر النصر آت بإذن الله ووعده ،
قال سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: ٤٠، ٤١].