فهد الخيطان، المغادر الصلب
د.طلال طلب الشرفات
12-12-2023 12:05 PM
ربما تقتضي المروءة إنصاف الناس عند مغادرتهم مواقعهم؛ لأن في ذلك تأسيس لحالة وطنية أخلاقية في احترام قواعد الاجتهاد السياسي والتقييم الموضوعي المرتبط بالضرورة بشجاعة الرأي أيّاً كان منسوب الرضى حيال ذلك، وعدم ربط التقييم بالإنطباعات الخاصّة، ولعل اغتيال الكثير من النخب الشريفة ارتبط إلى حدٍ بعيد بتفشي ظاهرة الاستعداء السياسي، والانقياد المشين.
فهد الخيطان رجل صلب بطبيعته وقناعاته، احترف العمل الصحفي وقدّم خطاباً قوياّ تجاه محاولات تفكيك القطاع العام وتسييس النقابات، واتقن توظيف جرأته الإعلامية بوعي وتميز جعله مثاراً لإهتمام المراقبين؛ نجح في اظهار زفاف ولي العهد بصورة اسطورية، وأسهم في بناء قناة المملكة التي ابدعت بإدارتها وكادرها في تقديم صورة اعلامية باسقة للدولة ومؤسساتها.
وجهة نظر الخيطان ومضامين خطابه لم ترق للبعض في تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، لكن صلابته في الدفاع عن هوية الدولة وكيانها جعل منه قامة صحفية تٌحترم؛ الا أن استقطاب شخصيات إعلامية لمواقع محورية ومهمة بالقطع تثير شهوة الاستعداء والاصطفاف الذي لا يليق بمروءة الاجتهاد وأخلاقياته وقواعد النقد المباح.
يجب أن لا يظن أحد أن ثمة سياق خاص أو مصلحة تربطني بالرجل؛ بل ربما قد تضررت من مضامين اجتهاده المجرد الذي لم يستهدف شخصي بل رؤية مرحلة تتعلق بصفات ومواصفات تنطبق على آخرين يتوجب أن نحترمها حتى وإن لم نستحسنها، أو لم توافق هوانا، فبديهيات الأفق السياسي المنضبط تقتضي أن نعطي الناس حقهم في التقييم والإنصاف في كل الظروف والأوقات.
إعلام الديوان الملكي ينهض بمسؤولية فائقة الدقة تتطلب النأي بالخبر الملكي عن التجاذبات السياسية والإعلامية، وتنافس السلطات؛ مما قد يؤدي إلى إقحام المقام الملكي في تحليلات لم تكن مقصودة، أو الإضرار بمصالح عليا للدولة الأردنية والمرتبطة عادة بعلاقات دقيقة وحساسة، إقليمية كانت أم دولية، ولعل الخيطان قد نجح في ذلك وأتقن النأي بالخبر الملكي عن هذه التجاذبات أو تلك المخاطر.
الخيطان سياسي محافظ وله رؤى يسارية في بعض الملفات، وأسهم بالقطع في محاولة دمج بعض الشخصيات المعارضة في تيار الموالاة بظنٍ مشروع مفاده أن مسارات التحديث والإصلاح السياسي تقتضي وجود فسيفساء سياسية في المؤسسات الدستورية، وأظنه نجح جزئياً في ذلك ولو من وراء حجاب.
الخيطان شخصية وطنية محترمة في المسارين الإعلامي والسياسي، وابن الكرك الملتزم الذي لا يمكن أن يخذل الوطن والقيادة والهوية، وأما وأنه قد همّ بمغادرة بيت الأردنيين ليستريح استراحة المحارب؛ فإن ساحات العمل الوطني مشرعة لكل من يعشق الثرى المقدس ومؤسسة العرش الغالية.