فضائيات وعمائم ومعارضة مشبوهة تنفذ سيناريو مشبوهاً في بلادنا
خلق الفوضى وإثارة الصراعات واستخدام القوى الداخلية جزء من الإستراتيجية الإسرائيلية
هل ما يجري في بلادنا خطوة استباقية لقطع الطريق على التغيير الحقيقي؟
اعتراف إسرائيلي بدور عملائها في ليبيا وتونس والمغرب
هل ما يجري في بلادنا تجديد للأنظمة لا تغيير لها؟
بلال حسن التل
لا نشك للحظة واحدة, في ان الذين أطلقوا الشرارة الأولى في تونس ومصر, كانوا أطهاراً ومخلصين. لكننا أيضاً لا نشك في أن الواقع العربي صار أكثر التباساً, خلال الأسابيع القليلة الماضية. مما لا يجيز لنا أن نغمض أعيننا عن تطورات الأحداث في بلادنا بعد الشرارة الأولى. كما لا يجيز لنا أن نتجاهل, ونحن نتابع ما يحدث في وطننا العربي, سلسلة المخططات التي أشار إليها في مواقع مختلفة وتواريخ متلاحقة, عدد من قادة العدو الإسرائيلي والأمريكي, حول ما يحيكونه لبلادنا. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر, تصريحات الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "امان" الجنرال "عاموس بادلين" اثناء تسليمه مهامه لخليفته "افيف كوفي" في تشرين الأول 2010 حيث قال: (لقد نجحنا خلال أربع سنوات في الوصول إلى شمال إفريقيا حيث تقدمنا إلى الأمام وذلك من خلال نشر شبكات الجواسيس في ليبيا وتونس والمغرب وتركز نشاط هذه الشبكات على مكونات ومقومات هذه البلدان) وأضاف قائلاً: (لقد أصبحت هذه الشبكات تضع كل ما نريد تحت أيدينا وهي قادرة على التأثير السلبي في مجمل أوضاع ليبيا وتونس والمغرب). معتبراً (ان ذلك يعد انجازا كبيرا بعد انجازات العراق واليمن والسودان بالإضافة إلى الإنجازات المنتظرة في القريب في لبنان). هذه التصريحات لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي, تتطابق مع تصريحات الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي, عن زرعه لعشرات من أعضاء جهازه في دول المغرب العربي للتحرك عند الحاجة.
فإذا استذكرنا مع هذه التصريحات, ما جاء في محاضرة وزير الأمن الداخلي الصهيوني الأسبق "أفي ايختر" في تشرين الأول من عام 2008, التي ألقاها في العاصمة البريطانية لندن, تحت عنوان "أبعاد الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية القادمة في البيئة الإقليمية", والتي سبق وان نشرناها في اللواء للتنبيه, إلى خطورة ما يخطط لبلادنا, خاصة من حيث الخيارات الأساسية للإستراتيجية الصهيونية وأهمها كما ذكرها الوزير الصهيوني في محاضرته: (خلق الفوضى وإثارة الصراعات واستخدام قوى داخلية وتوظيفها لتؤدي المهمة بدلا من التدخل المباشر, كذلك التوظيف لجماعات أثنية وطائفية أو قوى معارضة لديها الاستعداد مقابل دعم تطلعاتها للوصول إلى السلطة, والعودة أيضاً إلى إقامة أو تجديد تحالفات إسرائيل مع دول الجوار على غرار حلف المحيط الذي شكله (ديفيد بن جوريون) في منتصف الخمسينات مع تركيا وإيران وأثيوبيا في نطاق إستراتيجية شد الأطراف أي شل قدرات دول مثل العراق وسوريا والسودان حتى لا تستخدم في المواجهة مع إسرائيل).
ثم إذا ربطنا مضامين هذه التصريحات, والمخططات مع مصطلح (الفوضى الخلاقة) الشهير, الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندليزا رايس", لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد, خاصة أثناء عدوان تموز على لبنان عام 2006, ثم ربطنا هذا المصطلح مع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" في كانون الثاني من هذا العام في الدوحة, وهي تخاطب ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والحكومات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا, حول "إنعاش النظام السياسي الراكد" وحول "غرق مؤسسات المنطقة في الرمال" و"عن مؤشرات الأمل في وجود شرق أوسط جديد وخلاق". إذا فعلنا ذلك كله فقد نستطيع الخروج من حالة الاندفاع العاطفي الأعمى, الذي يسود عالمنا العربي الذي سلم نفسه لعقلية القطيع, فصار جزء منه يدمر منجزات بلد, فيما جزؤه الآخر يصفق لهذا التدمير, لتصب نهاية التدمير والتصفيق في مصلحة أعداء الأمة, الذين يستغلون واقعها, لتثبيت أقدامهم فوق أرضنا وعلى رقابنا, وجوداً عسكرياً مباشراً, وتجميداً لأرصدتنا, وثرواتنا وأصولنا العقارية. فنكون بذلك كمن يستبدل الرمضاء بالنار, ونحن نستبدل واقعاً سيئاً بواقع أكثر سوءاً, يقرر فيه مصيرنا ومصير بلادنا بصورة مباشرة الأمريكان والأوروبيون, الذين يزعمون انهم يريدون إخراجنا من دوامة الفساد, بعد أن اغرقوا هم جل أنظمتنا السياسية بالفساد وشجعوها عليه. وهو زعم يشبه زعمهم انهم يريدون لأبناء أمتنا الحرية والعدالة والديمقراطية. بعد أن رعوا هم وتحالفوا مع أنظمة الاستبداد والقمع في بلادنا بل وحموها. ثم انقلبوا عليها بعد أن استنفذوا أغراضهم منها. فكان البديل الذي احضروه لنا هو: القتل, والتدمير, والفوضى, والفتن الطائفية والمذهبية, والفساد غير المسبوق. وفي النموذج العراقي خير دليل على ما يريده لنا الأمريكان والغربيون من بدائل, تجسدها الطائفية التي صارت جزءاً من واقع سياسي واجتماعي واقتصادي نعاني منه بفضل البديل الأمريكي.
لهذا كله نقول: إن ما يجري في الوطن العربي الآن من مظاهر انقلاب الشعوب على أنظمتها, يحتاج منا إلى وقفة تأمل وتفكير وإعادة نظر, أكثر مما يحتاج إلى اندفاع عاطفي أعمى. ذلك ان وحدة التوقيت, ووحدة السيناريو, ووحدة الأدوات, والتي تتكرر في كل بلد عربي من هذه البلدان, التي تشهد حالة خروج على الأنظمة يثير في النفس ريبة وشكاً. فهل من المعقول أن تتحول أجهز إعلام في مقدمتها قنوات فضائية أسستها ورعتها ومولتها أنظمة بوليسية وقمعية متخلفة, إلى قوة مدافعة عن الديمقراطية, محرضة عليها؟ بل وأكثر من ذلك إلى قائدة وموجهة لحركة الشعوب؟ فبعض القنوات الفضائية التي تثور حول تأسيسها ودورها وارتباطاتها عشرات الأسئلة, لم تعد تكتفي بتغطية الحدث. بل صارت هي التي تصنع الحدث, وتحرك الجماهير وتغرقها بسيل من الأكاذيب, لتصنع من هذه الأكاذيب واقعا على الأرض. حتى لو أدى ذلك إلى حمامات دم وحرائق تأكل الأخضر واليابس, تقود إليها سيول من الأكاذيب والقصص المختلقة والصور المفبركة, التي تصنعها هذه الفضائيات, التي خصصت كل أوقاتها لما جرى في تونس ومصر, وما يجري اليوم في ليبيا, في الوقت الذي تغمض فيه عيونها عن فظائع تقع على مقربة منها. فأي إعلام حر مستقل هذا وهو الذي ادخل إلى بيوتنا قادة العدو كاسراً للحاجز النفسي بيننا .
اللواء.