مطالعة قانونية في حق الإضراب
د. أشرف الراعي
12-12-2023 04:44 AM
تعد حرية الرأي والتعبير من الحقوق اللصيقة بالإنسان؛ حيث نص الدستور الأردني على حرية الرأي والتعبير في الفقرة الأولى من المادة 15 من الدستور والتي جاء فيها "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون".
وبالرجوع إلى نصوص الدستور الأردني يلاحظ أن الدستور ربط هذه الحرية وقيدها بعدم تجاوز حدود القانون وعدم الخروج عليه؛ بمعنى أن المشرع الأردني أراد تنظيم هذا الحق بموجب قوانين تصدرها السلطة التشريعية؛ إذ يخلق إطلاق حرية الرأي والتعبير وتركها دون تقييدها بالقانون حالة من الفوضى، وينذر بانهيار الدولة، فمتى أبيح لشخص التعبير عن رأيه دون التقيد بقانون فقد يدفعه ذلك إلى التعبير عن رأيه بأسلوب يخرج فيه عن القانون وبما يخلق حالة من الفوضى تهدد كيان الدولة.
إذن، ولمواجهة هذا التخريب الذي يمكن أن يخلقه إطلاق الحرية بدون قيد أو شرط، فلا بد من أن يكون القانون هو الحد الفاصل في الموازنة ما بين الحرية والمسؤولية حماية للنظام العام في الدولة، والحفاظ على المجتمع كذلك، ويلاحظ أن تنظيم الحقوق والحريات بموجب الدستور الأردني، الذي نص في الفصل الثاني من المواد (5 ــ 23) على الأحكام القانونية المتعلقة بحقوق الأردنيين وواجباتهم، جاء تنظيما شاملاً وواضحاً ودقيقاً وقرر لها الضمانات والكفالات التي تحقق ممارستها.
وحول حق الإضراب؛ فمن حق العاملين ضمن أعمالهم الحرة إغلاق محالهم التجارية من دون أن يرتب القانون عليهم أي عقوبة؛ لكن المشكلة تثور فيما يتعلق بالقطاع الخاص الذي يدير مرفقاً عاماً كالتعليم، والصحة، وغيرها من القطاعات، وفي ذلك لا بد من الإشارة إلى نصوص قانون العمل ومن ثم التطرق إلى نصوص قانون العقوبات في هذا المجال؛ إذ ورد حق الإضراب في قانون العمل في المواد (134-136).
لقد نظم الشروط الواجب توافرها في الإضراب والعقوبات المقررة حال تخلفها، وقد جاء هذا التنظيم خاصاً بالقطاع الخاص، أما بالنسبة للقطاع العام فقد جاء التشريع الأردني بحظر الإضراب في بجميع قطاعاته، حسب نظام الخدمة المرافق العامة المدنية، وكان هناك عدة مطالب لإعادة النظر بحظر الموظف العام من الإضراب والسماح به ضمن ضوابط ونصوص تنظمه، وخصوصاً بعد إضراب المعلمين عام 2019.
وفي ذلك تنص المادة 134 من قانون العمل على أنه "لا يجوز لاي عامل أن يضرب أو لأي صاحب عمل أن يغلق مؤسسته في اي من الحالات التالية: أ - اذا كان النزاع محالاً على مندوب التوفيق او مجلس التوفيق او المحكمة العمالية. ب. خلال المدة التي تكون فيها أي تسوية نافذة المفعول أو أي قرار معمول به وكان الإضراب أو الاغلاق يتعلق بالمسائل المشمولة بتلك التسوية أو ذلك القرار"، كما تنص المادة 135 من القانون ذاته: "أ- لا يجوز للعامل أن يضرب دون إعطاء اشعار لصاحب العمل قبل مدة لا تقل عن 14 يوماً من التاريخ المحدد للإضراب وتضاعف هذه المدة إذا كان العمل متعلقاً بإحدى خدمات المصالح العامة. ب. لا يجوز لصاحب العمل إغلاق مؤسسته دون أن يعطي إشعاراً للعمال بذلك قبل مدة لا تقل عن 14 يوماً من التاريخ المحدد للإغلاق، وتضاعف هذه المدة إذا كان العمل متعلقاً بإحدى خدمات المصالح العامة. ج. تحدد الشروط والاجراءات الاخرى للإضراب والإغلاق بموجب نظام يصدر لهذه الغاية".
أما المادة 136 فتنص على أنه "أ. إذا قام اي عامل بإضراب محظور بموجب هذا القانون يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين دينارا عن اليوم الأول وخمسة دنانير عن كل يوم يستمر فيه الإضراب بعد ذلك ويحرم من أجره عن الأيام التي يضرب فيها. ب. إذا أقدم صاحب العمل على إغلاق محظور بموجب هذا القانون فيعاقب بغرامة مقدارها خمسمائة دينار عن اليوم الأول وخمسون دينار عن كل يوم يستمر فيه الإغلاق بعد ذلك ويلزم بدفع أجور العمال عن الأيام التي يستمر الإغلاق فيها".
وفي الوقت الذي يخلو فيه قانون العقوبات الأردني من أي عقوبة تتعلق بإضراب الموظفين العموميين؛ فقد نظمها نظام الخدمة المدنية الأردني؛ والذي جاء فيه وفقاً لنص المادة 68 إن "الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن والمجتمع تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الدينية والوطنية والقومية للحضارة العربية والإنسانية وتحرص على إرساء معايير وقواعد ومبادئ أخلاقية تحكم آداب الوظيفة العامة وقيم ثقافية مهنية عالية لدى موظفي الخدمة المدنية وتعزز إلزامهم بهذه المعايير والقواعد والقيم وتخلق الثقة والتقدير لدى المواطن ومتلقي الخدمة العامة بعمل الدوائر وتبني حالة من الاحترام والتقدير لدورها في توفير الخدمات بأفضل طريقة ممكنة للمواطن والمجتمع على حد سواء، ومن أجل تحقيق ذلك فإن على الموظف الالتزام بما يلي:-
أ-احكام مدونة قواعد السلوك الوظيفي واخلاقيات الوظيفة العامة المقرة من مجلس الوزراء.
ب-أوقات الدوام الرسمي وأداء مهام وواجبات وظيفته الموكلة إليه بنشاط وأمانة ودقة، مع جواز تكليفه بالعمل لأكثر من الساعات المقررة للدوام الرسمي بما في ذلك أيام العطل والأعياد الرسمية إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك وللمرجع المختص صرف مكافأة مالية لقاء ذلك وفقا لتعليمات منح المكافآت والحوافز المعمول بها في الخدمة المدنية. كما تنص الفقرة د- على تنفيذ أوامر رؤسائه وتوجيهاتهم وفق التسلسل الإداري والتعامل مع رؤسائه ومرؤوسيه باحترام وتطبيق مبدأ المشاركة وبناء روح الفريق في العمل.
هـ- المحافظة على المال العام ومصالح الدولة وممتلكاتها وعدم التهاون بأي حق من حقوقها والتبليغ عن أي تجاوز على المال العام والمصلحة العامة وعن أي تقصير أو إهمال يضر بهما.... كما تنص المادة 69 على أنه " يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الأعمال التالية: - أ- ترك العمل أو التوقف عنه دون عذر مشروع يقبله المرجع المختص.....".
ختاماً؛ هكذا نظم المشرع الأردني حق الإضراب في قانون العمل ونظام الخدمة المدنية، فيما لم ينص عليه في قانون العقوبات، بعد الدعوات إلى تنظيم إضرابات عامة في كل العالم، تضامناً مع الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما وجب التنويه إليه ليس إلا!.