الإنسان تمرّدٌ وإذعانٌ على شفا مهد ولحد
د. حسان فلحة
11-12-2023 09:59 AM
قد يبدو الانسان في ركن الاعتقاد هو اساس الوجود ومحوره على هذه البسيطة، او اقله خُلق الكون لاجله اولا واخرا، او انه قد خُلق هو ذاته من اجل مسببات الحياة واستمرارها، هي مقاربات فلسفية دينية عقائدية لا تحوطها عناصر الجدل، ولا تبلغ مبلغ شأوها مدارك النقاش. لكن اليقين ان الكائنات الاخرى، والاشياء الاخرى هي متممة لهذا العقل ذي السعة الادراكية الواسعة الحدود المتجاوزة للتوقعات، الفريدة في الاستنباط الفكري الخلاق في ما تحمد عقباه ولا تحمد، لا احد يدرك ما يمكن ان يصل اليه هذا العقل غير المرئي وغير الملموس، المحسوس فوق طاقة النظر وفي مرمى البصر، وغير المأسور بوقع السمع، ولكنه بيّن الاثار وساطع الاعمال تستدرك نتائجه ولا يدرك ما يدور بخلده ولا ما يأتي على باله.
هذا الكائن طوعته غريزته واستفردت به تاه عنها وعاد اليها تمرد عليها وخضع لها اسرته. واسرها وبقي رهين القلق ومهيض الضياع، سقيما اسير التردد، غريب الاقدام. يعيش على وقع التناقض يقلب الليل والنهار ويرسم بالالوان انطباعاته وأحاسيسه، ويتقاسم تناقض الاسود والابيض، يفتنه الحدثان، الذهاب والغياب، ياتي على حين غرة ويذهب على حين غرة، تفوق في ابداعاته الفكرية والعلمية التي لا تقف على حدود المنشأ ولا تنزوي مع لحظة التفكير ولا تركن الى غياهب الاعجاز، لقد وصل الى ما لا يُدْرك وانقلب على الصدف غير المعقولة وغير المأمولة، لقد تجاوز في القرن الفائت او في السنوات المئة الماضية من تقدم وتطور واستنباط واختراع ما لم يسجل في اي سجل كوني قبلا ولم تكتبه البشرية ولم تنبس عنه الطبيعة باي اشارة.
لقد قفز الانسان فوق المجهول واستوعب اطراف الغربة وكنه القربة، صال هذا المتفتق الذهن الوقّاد وجال وتجبر، وتكبر اذعن وما استكان وانكسر وانجبر، لربما كتبت الحياة لاجله، وطوعت الاديان له وحوله، بعمقها وفطرتها برحمتها وقسوتها، بشهوات اشتباهها وغلو تباعدها ودنو تقاربها فكانت لانه الكائن وحده في التماهي والتضاهي، وما كانت كيفما كانت لو لم يكن.
هذا الذي سار فكره ويسير الى ما لم تطأه عناصر المادة، لقد تجبر فاودعه الموت وردعه، اعطته الحياة الوجود وسلبته حدود الادراك.
هذا الكائن الحي اعظم ما اخترع هي الدائرة التي جسدت حركة الوجود وماهية الحياة، فسارت دولابا ماديا يتقاسم فيها المحور الزوايا والاشعاع الى ما لا نهاية فكانت مبعث التصور والادراك، ان العجلة التي تخيلها الانسان دورانا فكريا وجسدها اساسا ماديا لكل ابداعاته واختراعاته تتجسد في العلاقة بين العجلة والحركة، وهذه الاخيرة هي نتيجة واحدة سرمدية ابدية جدلية في جوهرها الوجودي مبنية على مكوني الحياة ومجسميّها الخالدين، "الصمولة" و "المرود" اي (العزقة والبرغي)، اي الانثى والذكر فالعلاقة بينهما هي المهد واللحد، هي تعشق ابدي يصنع الحياة الكونية حيث رسم الانسان الدائرة، والدائرة رمز الحركة اذا ما كسرت لمآل ما او مددت، فتصير خطاً مجهول النهاية غريبا، لا احد يفهم المراد ويدرك اين المسار وكيف المسار.
خرق الانسان فناء الحياة، تصبرا وتجلدا بالموت، وابدع حياة بعد موت في دوامة الدائرة يدخل المرود في الصمولة فاتت منها بذرة الحياة البشرية وخلعت عنه السكينة. واسكنته دار الهلع حيا او ميتا بين البقاء والفناء.
جريدة النهار