يتم الحديث بإيجابية مؤخرا عن تدني مستويات التضخم في الأردن.
فمستوى الأسعار في الأردن نما بحوالي 4.5% عام 2022، مقارنة بتضخم عالمي ناهز ال 9%. العام 2023 يبدو مشابها للعام السابق، حيث معدلات التضخم محليا تتجه نحو 2%، أي بما يقل عن نصف المعدلات المتوقعة عالميا.
الأسئلة الرئيسية تدور حول كيفية تجاوز الأردن لموجة التضخم العالمية، وما إذا كان لذلك آثار إيجابية أو سلبية على الاقتصاد.
بالفعل تمكن الأردن حتى الآن من امتصاص جزء لا بأس به من موجة التضخم العالمية. وذلك يعود لمجموعة من العوامل مثل المخزون الغذائي الكبير الذي جنب المملكة ارتفاع أسعار الغذاء غداة الحرب الروسية الأوكرانية. ومنها أيضا اعتماد المملكة على غاز البحر المتوسط بدلا من الغاز المسال.
كما أن الحكومة قدمت دعما ماليا مباشرا للحد من ارتفاع أسعار المحروقات بقيمة ناهزت 500 مليون دينار، ورصدت دعما ماليا مباشرا للسلع الغذائية الاستراتيجية بقيمة 277 مليون دينار عام 2023.
يضاف إلى ما سبق عاملان، الأول خارجي ناجم عن ارتفاع سعر صرف الدولار، مما خفض من حدة ارتفاع أسعار المستوردات مقابل الدينار الأردني. والثاني داخلي مرتبط بتباطؤ الاقتصاد وفائض عرض العمالة نتيجة استقرار معدلات البطالة فوق مستوى 20%.
العامل الأخير تحديدا له أهمية خاصة. فدورة التضخم لا تكتمل إلا بارتفاع الأجور، الذي يعود ويرفع مستوى الأسعار "المرتفع أساسا" مرة أخرى، في حلقة يمكن أن تصبح مفرغة إذا عجزت السياسة الاقتصادية عن كسرها.
فإذا نظرنا إلى الاقتصادات الرئيسية التي حققت معدلات تضخم مرتفعة مثل الولايات المتحدة وأوروبا نجد أن معدلات نمو الأجور المعززة للتضخم تجاوزت الارتفاع في مستويات الأسعار لدى أجزاء واسعة من الطبقتين الوسطى والفقيرة، مما ساهم مجددا في ارتفاع الأسعار.
في الأردن، على العكس من ذلك، مستويات الأجور راكدة إن لم تكن تتراجع، في ظل عرض فائض من العمالة الباحثة عن عمل، ما يعني أن المستوى الحقيقي للدخول يتراجع بنفس نسبة التضخم، مسببا تراجعا في الطلب، وضغطا عكسيا على مستوى الأسعار. وعندما نضيف إلى ذلك ارتفاع فوائد القروض، نكون أمام تراجع ملموس في القوة الشرائية والطلب، وهو ما يساهم في الحد من ارتفاع الأسعار.
بالنتيجة، يمكن القول بأن الأردن قد تمكن من كبح جماح التضخم من خلال: التخطيط الناجح (غاز المتوسط ومخزون الغذاء)، والدعم الحكومي (حوالي 700 مليون دينار)، والبطالة المرتفعة وركود الاقتصاد.
العاملان الثاني والثالث يقودان للتفكير بالنتائج والتداعيات المصاحبة لانخفاض معدلات التضخم محليا.
فصحيح أن التضخم يساهم بشكل إيجابي في تقليص الضغوط على الدخول المحدودة، ويمكن أن يعزز من تنافسية الاستثمار والسياحة في الأردن مقارنة بالدول ذات معدلات التضخم المرتفعة.
ولكن ذلك يهدد الاستقرار المالي، كما يظهر في موازنة العام 2024، التي رصدت لدعم السلع الغذائية 300 مليون دينار، أي أعلى مما كانت الحكومة ترصده قبل رفع الدعم عن الخبز عام 2018.
ففي حال استمر ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، أو توسع الدعم الحكومي لشمول مجموعة أوسع من السلع الغذائية والاستراتيجية، سنكون خلال سنوات قليلة أمام موجة جديدة من رفع الدعم وارتفاع الأسعار.
كما أن علينا عدم الاستراحة لفكرة أن انخفاض التضخم قد حقق الحماية لمحدودي الدخل.
فالتضخم بحوالي 7% منذ بداية العام 2022، يعني أن القوة الشرائية لأجورنا الثابتة تراجعت بنفس المستوى. أي أننا لسنا أفضل حالا من دولة أخرى حققت تضخما بنسبة 10%، ولكن الأجور نمت فيها بمعدل 3% أو أكثر.
عندما نضيف إلى ما سبق مديونية الأفراد المرتفعة في الأردن وارتفاع فوائد القروض غير المحتسبة في سلة التضخم، نستنتج أن من المبكر الحديث عن انخفاض معدلات التضخم كإنجاز حكومي وعامل جذب للاقتصاد الأردني.