بوتين وسط العرب .. ما هي الملفات؟
د.حسام العتوم
10-12-2023 09:26 AM
الزيارة الرئاسية الحديثة لرئيس روسيا الاتحادية الصديقة للعرب فلاديمير بوتين لكل من الامارات و المملكة العربية السعودية بتاريخ 6/ 12 / 2023 حملت معاني جديدة و ملفات مختلفة عن آخر زيارة مماثلة عام 2019 .
ولقد استقبل بحفاوة قل نظيرها ، ولوحظ الفرح على محيا الرئيس بوتين وكبار مستقبليه الذين تقدمهم رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بين زايد ال نهيان بداية في العاصمة أبو ظبي في قصر الوطن الرئاسي، وسمو الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز في الصالة الملكية بمطار الملك خالد الدولي مطار الرياض، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في قصر اليمامة .
وحضر من الجانب الروسي مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، ووزير الخارجية سيرجي لافروف ، ومدير المكتب الإعلامي لقصر الكرملين دميتري بيسكوف ، و الرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف ، وكبار رجالات الدولة .
و أهمية زيارة بوتين تأتي أولا في زمن التوجه الغربي لتوجيه مزيد من العقوبات على روسيا و على شخص الرئيس الروسي بسبب عدم تفهمهم للعملية الروسية العسكرية الخاصة التي أطلقتها موسكو تجاه أوكرانيا عبر منطقة " الدونباس " ، و المطالبة وقتها بمحاكمة بوتين ، و لا ننسى هنا في المقابل حق روسيا في محاكمة الغرب الأمريكي ذات الوقت لدفعه صوب " كييف " بمال و سلاح فاق حجمه مائتي مليار دولار ، بينما النتيجة التي وصلوا لها هي صفر ، فلقد حرر الروس ( القرم ) بداية عام 2014 مرتكزين على الأحقية التاريخية ، و لشجبهم توجه نظام " كييف " لبيع أوكرانيا للغرب بحجة الاستقلال، و حرك الروس عمليتهم العسكرية بالإرتكاز على اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991 التي لا تخول الدولة المنفكة عن الاتحاد عقد تحالف مضاد للمنظومة السوفيتية السابقة برئاسة روسيا العظمى عبر الاقتراب من حلف " الناتو " المعادي ، و بالإرتكاز أيضا على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تسمح للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها .
وتأتي الزيارة الرئاسية الروسية في زمن صرح فيه وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية لويد أوستن بأن بلاده لا تسمح لبوتين أن ينتصر في أوكرانيا و لا لحماس في غزة ، متناسيا تصويت الأقاليم الأوكرانية طوعا للانضمام لروسيا حتى قبل تحريك روسيا لعمليتها العسكرية الخاصة التحريرية الإستباقية الدفاعية بتاريخ 24/ شباط / 2022 ، وفي زمن يجوب فيه وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكين بلاد العرب وسط حرب غزة يوزع الابتسامات يمينا و شمالا ، و مشروع قانون جديد للكونغرس الأمريكي بعدم تجديد المساعدات المالية لنظام أوكرانيا وتخصيص دعم خاص لإسرائيل على انفراد ، بموافقة 49 صوتا ، واختفاء مشاركة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بمؤتمر الكونغرس (أون – لاين) بسبب معرفته المسبقة بنتيجة التصويت، وسبق لنا أن شاهدنا حضوره قمة العرب في الرياض منفردا قادما على طائرة فرنسية وتحدث وقتها ليس باللغة الأوكرانية التي يقاتل من أجلها ولكن بالانجليزية لغة استعمار أسياده الأميركان .
وتحمل روسيا – بوتين الى أبو ظبي والرياض ، والى وسط العرب رسالة عالم متعدد الأقطاب أطلقت عنانها تزامنا مع اندلاع عمليتها العسكرية الخاصة عام 2022، وهي موجهه لشرق و جنوب العالم ولمن يرغب من دول الغرب ، وهي التي تمنح كل دولة عالمية و قطب حرية العمل السياسي و الاقتصادي و العسكري و الأمني و الثقافي و الاعلامي ، وتلغي التعامل مع أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي تغول وسط دول و شعوب العالم ، وهيج الأزمات و افتعل الحروب ، و انحاز للمحتل الإسرائيلي على حساب صاحب الأرض الفلسطيني و القضية العادلة ،وما الحرب في غزة ، و في أوكرانيا خير مثال، و التعاون الروسي و الاماراتي و السعودي في المجال النفطي و الأقتصادي و التكنولوجي مثال حي أخر هام . ولقد قدم الرئيس الروسي بوتين الى هنا حاملا ملفات هامة استراتيجية ، منها ما لها علاقة بتثبيت تخفيض ضخ البترول تمشيا مع اتفاقية "أوبيك + " و لترسيخ التعاون الاقتصادي و التكنولوجي ، وللتحاور حول الحربين الأوكرانية و في غزة من وجهة نظر روسيا و الأستماع للموقف العربي ، وهنا الموقف الروسي واضح منذ البداية و هو الداعي عبر مجلس الأمن لوقف القتال الدائر بين ( إسرائيل ) و حماس – حركة التحرر العربية الفلسطينية الإسلامية ، و لتوصيل المساعدات الروسية الى غزة ومنها الشيشانية المشكورة و المقدرة ، و لبناء دولة فلسطين الى جانب دولة ( إسرائيل ) ، و عرض وساطة روسيا بين حماس التي تقيم معها علاقة صداقة وبين ( إسرائيل ) المؤثرة عليها رغم موقفها السلبي من العملية / الحرب الروسية الأوكرانية ، ووقوفها الى جانب " كييف " و أمريكا و الغرب وسطها .
و للمقارنة فقط ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة دونالد ترمب عام 2017 أغرقت الخليج بسلاح لا يستخدم بلغت فاتورته أكثر من 450 مليار دولار ، و لازال العرب بأمس الحاجة لمعالجة وضعهم التنموي ، و لتفادي الحرب الضروسة في غزة التي ضخمتها ( إسرائيل ) بسبب مهاجمة حماس المفاجئ لها يوم السابع من أكتوبر 2023 ، بينما الهجمات الإسرائيلية للفلسطينيين و العرب عمرها 75 عاما . و روسيا الاتحادية اليوم قطب ودولة عملاقة و ميزان في العلاقات الدولية الإستراتيجية يصعب على أمريكا مماحكتها و الغاء دورها الدولي ، و نلاحظها تعمل من أجل اطفاء نيران الحروب المشتعلة، و هكذا هو دورها وسط الأراضي الأوكرانية عندما استشعرت بأن حربا أوكرانية و بالتعاون مع الغرب الأمريكي و بالوكالة و بتمويل ملياري ضخم تشن ضدها ، فكانت لهم بالمرصاد ، و حققت نصرا مشهودا لم تقبل بأقل منه ، و خسرت " كييف " حربها ، و خسر الغرب معها الحرب ، و ثبت لها بأن ضخ أمريكا و الغرب للمال الوفير فوق نيران العملية / الحرب غير مجدي لهم ، و الأفضل لهم القبول بسلام الأمر الواقع ، بمعنى بدولة " كييف " و غرب أوكرانيا ، و الروس ماضون في مشروعهم التحريري لحماية " الدونباس بعد ضم أوديسا و خاركوف و نيكولاي – الدنيبر الى جانب الأقاليم الخمسة السابقة .
والملاحظة التي توقف عندها سمو ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء أثناء حديث الرئيس بوتين في قصر اليمامة عبر مترجم فوري روسي يجيد العربية، هي بأن المملكة العربية السعودية لم تكن مستعمرة يوما لتستقل حسب ما ورد في حديث بوتين، و إنما عملت السعودية حينها على توحيد جغرافيتها، ورد الرئيس بوتين بأنه قصد ترحيب روسيا بولادة الدولة السعودية وقتها، أي قبل مائة عام، والتزام سعودي ملاحظ ببروتوكول استقبال الزعماء في المطار على قاعدة المعاملة بالمثل .
ولقد عبر ولي عهد السعودية عما يملكه من ذكاء رفيع المستوى ودقة ملاحظة و شجاعة و سرعة بديهة خاصة عندما يتعلق الأمر بالسعودية الوطن وتاريخه القديم والمعاصر، وهي صفات سايكولوجية هامة، و لقد اطمئن الرئيس بوتين في الامارات والسعودية على سلامة الوضع الاقتصادي معهما، ووجه لهما دعوة رسمية لزيارة موسكو ومؤتمر بريكس القادم برئاستها لترسيخ العلاقات الاستراتيجية معهما، وبطبيعة الحال خصص الرئيس بوتين الوقت لبحث قضية غزة الواجب أن تجد مخرجا آمنا تجاه السلام الدائم، واستمع بكل تأكيد لموقف العرب الرافض للأحتلال الإسرائيلي و المنادي بعودة (إسرائيل) لحدود الرابع من حزيران لعام 1967، ولتجميد الاستيطان اليهودي غير الشرعي، ولإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ولصد كافة الأبواب أمام التهجير القسري للفلسطينيين والذي هو بالمناسبة ليس بجديد، تمتد جذوره لعمق مسيرة الاحتلال الإسرائيلي الذي يقبل بالإقصاء ولا يقبل بالآخر رغم أنه محتل غاشم .