بين الفكرة والتنفيذ فرق زمني، وبين التنظيم والتبعية فرق عقائدي، وبين العقيدة وأسلوب الحياة فرق ظاهري، وبين المقاومة وحماس فرق استمرارية واستدامة حقوق ومطالب غير منتهية، وإن كانا يكمل بعضهما البعض.
قد يرفض الطرح كثيرون! وما أقدمه وجهة نظر للنقاش، وبالتأكيد أي وجهة نظر أخرى مقبولة لدي مهما كانت، فأنا أقدم وجهة نظري بتجرد دون تبعية، أقدم ما أعلم أنه أساس في المفهوم والواقع، وما أثبتته سنوات النزاع الطويلة على أرض فلسطين أجمع أو على أي بقعة نزاع على الأرض.
كتبت أكثر من موقف حول غزة الأقوى والأبقى، وهو أقل الواجب بوجه الجريمة بحق مدنيين، ولكن لم أكتب أو أشر في أي منها صراحة باسم حركة معينة قبل هذا المقال، ومرد ذلك قناعتي بالفرق بين تعظيم عقيدة أو تسمية جهة تنفيذ، وإن كانا «وجهين لعملة واحدة»، ولكن علينا ألا ننسى أن هناك فرقا بين الصورة والكتابة في رمزية وقيمة أي عملة، فالصورة تتغير لكن دون تغير القيمة الكتابية على الوجه الآخر.
«المقاومة» أبقى وأقوى ما دامت عقيدة وفكرة وأسلوب حياة عند النزاع، وغير ذلك هي أسماء لنماذج التنفيذ، وإن اختلفت أشكالها وطرقها وموقف الناس منها، ولهذا تعرّف «المقاومة» بأنها الحراك والسياسات والدعوات والعمليات التي تدعو أو تدعم مقاومة الاحتلال والاضطهاد والاستعمار.
في فلسطين بدأت «المقاومة» منذ الاحتلال البريطاني عام 1918، واستمرت حتى اليوم ولن تتوقف كعقيدة في مواجهة محتل، ويتنوع المفهوم بين تحركات مدنية أو شعبية أو مسلحة أو سياسية، وتتغير حسب ما تفرضه الظروف وواقع الأمر واتجاهات الأفراد، وكان عام 1948 هو نقطة التحول في المفهوم والتنفيذ، حيث بدأت تظهر فصائل فلسطينية ذات طابع سياسي تستخدم مفهوم الكفاح المسلح للإشارة إلى أشكال المقاومة المسلحة، ولكن بقي مصطلح «المقاومة» جزءا من هوية واسم بعض الفصائل الفلسطينية، مثل تسمية «حركة المقاومة الإسلامية حماس» عام 1987م، لتبدأ بعدها مرحلة وشكل مختلف من مواجهة الاحتلال.
ما أقدمه وأراه هو أن التنفيذ والمصطلح الأكثر استدامة لرفع الاحتلال والإبقاء على القبول الكبير لدى شعوب العالم من تعاطف واهتمام والذي نقل القضية بأوسع أشكالها وحضورها بما تجاوز أي ملتقى أو اجتماع أو منظمة أو خطاب هو ضمان تسمية التنفيذ لرفع الاحتلال عن الأرض الفلسطينية بمصطلح «المقاومة» بتجرد دون نسبته إلى أي اسم يلحق به، سواء كان حركة أو جهة تنظيم، حتى نضمن استمراره مهما كانت النتائج، فلا نعلّق النصر- بإذن الله- لحركة، فهو غاية مشتركة أصلا، كما لا نعلق الضرر والخسارة وأي انكسار- لا سمح الله- باسم حركة، فنشعر بانعكاس الأثر طويلا على جوهر القضية واستدامة المطالبة بالحقوق.
«المقاومة» اليوم كما نشاهدها هي فعل وتنفيذ واشتراك جمعي واسع ومتنوع وليس دورا فرديا، في «المقاومة» اليوم شركاء كثر، منهم من أبدع على الأرض في صموده بمواجهة الاحتلال كما أظهرتها «حماس»، ومنهم من أبدع في القول والتصريح والفعل حقيقة بالدعم والإسناد والمواجهة في محاكمة المحتل بأكبر المحافل الدولية والعربية كما أظهرتها السياسة الأردنية المميزة، ومنهم من حركته الإنسانية والمشاعر، فقط، وليس الدين ولا الجنس ولا العقيدة، بل ما تابعوه وشاهدوه من صور لجرائم القتل والإبادة فوقفوا بوجه قادتهم كما هو في فعل كثير من شعوب الدول الأجنبية، فغيّرت خطاب دولهم، ولنعلم أن لا عاقل على وجه الأرض، مهما كان دينه وجنسه واعتقاده، يقبل ما يحدث على أرض غزة، ولهذا تراهم يدعمون ويقبلون مصطلح «المقاومة»، ولكن ليس كل عاقل على وجه الأرض، مهما كان دينه وجنسه، قد يقبل تنظيما مسلحا وإن كان في أرضه شرعيا، ولهذا يستوجب علينا التفكير اليوم كما هو تفكيرنا بحماية أطفال ونساء وشيوخ وكل مدني في غزة أو على الأرض الفلسطينية، أن نفكر ونحمي عالمية القضية ووعي السواد العالمي الأعظم فيها اليوم، ونركز على المقاومة وليس التنظيم.
الغد