السودان .. المأساة المنسية والمعاناة الصامتة
الدكتور مهند عبد الفتاح النسور
09-12-2023 10:17 PM
ان الصراع المستمر في السودان منذ منتصف أبريلنيسان قد اتسعت رقعته ، فحسب آخر التقارير عن الوضع في السودان فإن الأقتتال قد امتد ليشمل تسع ولايات من اصل ثمان عشر ولاية. كما استمر تدهور الوضع الصحي والإنساني في السودان بعد ما يقارب 250 يوما منذ بدء الصراع. فقد أجبرت الحرب أكثر من ستة ملايين مواطن على ترك منازلهم والنزوح إلى أكثر من خمسة الف موقع في مناطق أخرى داخل السودان معظمها غير مهيأ لاستقبال كل هذه الأعداد وما يحتاجونه من أبسط مقومات الحياة والصحية و الانسانية. إضافة إلى أن اكثر من مليون شخص من أصل الملايين الست قد لجأوا الى دول الجوار وما هو أبعد وبعضهم يعاني من الأوضاع غير الملائمة في اماكن الايواء التي احتضنتهم. ولتقريب الصورة الذهنية فيكفي الذكر أن التقارير توصف وضع النزوح في السودان بأنها أزمة نزوح الأطفال الأضخم عالمياً بمعدل 7،600 طفل نازح يومياً.
في هذه الأثناء أرتفع عدد الذين هم بحاجة لمساعدات انسانية عاجلة الى ما يقارب الخمسة والعشرين مليون شخص وبتكلفة تقدر 2,6 مليار دولار ، تم توفير 39% منها فقط ، حتى يتم تفادي شبح المجاعة التي تهدد 6 مليون شخص حسب تقرير منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة. مما يخشى في هذا المنحى هو تضاؤل الإهتمام العالمي بهذه المأساة مع تطاول أمد الحرب واشتعال الصراعات في مناطق أخرى أبرزها الحرب على غزة. فهل ينطبق على الوضع في السودان وصف “المأساة المنسية” و”الموت الصامت”.
بالمقابل فإن الوضع الصحي قد ازداد سوءاً. فمع تواصل معاناة النظام الصحي والمؤسسات العلاجية، نتيجة لتضرر المؤسسات ونقص الامداد والعاملين الصحيين كما أشرت في مقال سابق، فقد بذلت وزارة الصحة وشركاؤها جهوداً مقدرة لتقديم الخدمات الصحية عبر اليات عمل فاعلة وخلق بدائل لسد العجز. إلا أنه وبالرغم من هذه الجهود فما زال البون شاسعاً بين المتاح والمطلوب، إذ أن ثلثي السكان يفتقرون الى الوصول للخدمات الصحية. كما فاقم من سوء الوضع تفشي أوبئة الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والحصبة وزادت معدلات سوء التغذية لدي الأطفال وهي مخاطر كانت متوقعة وتم التحذير منها قبل أشهر. فمنذ إعلان بدء وباء الكوليرا بتاريخ السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول من هذا العام فقد تم رصد 5،178 حالة على الأقل وتسببت في وفاة 161 شخصاً. ولايزال خطر الكوليرا في تنامي إذ سُجلت الحالات في تسع ولايات أو ما يعادل نصف ولايات السودان. هذا الوضوع استدعى استنفار الجهود المحلية والأقليمية والدولية للحد من انتشار الوباء والسيطرة عليه عبر عدة تداخلات من بينها إعطاء لقاح الكوليرا لحوالى 2،2 مليون مواطن، الا أن الدعم المطلوب يظل أضعاف الجهد المقدم.
عليه فإننا نكرر مناشدة كل ذي ضمير حي في السودان و في الاقليم و العالم للعمل على إنهاء هذا الوضع الكارثي المأساوي الذي يزيد من معاناة شعب السودان ،الذي عرفناه باصله الطيب و معدنة الأصيل ، والذي قد يمتد أثره لأبعد من حدود السودان. وإن كان قرار إنهاء الحرب هو أمر شائك وتحكمه العوامل السياسية المحلية والأقليمية و الدولية فإن من غير المقبول ان يتحمل أهل السودان تبعاتها. و يظل جهد المُقـِل هو العمل على ضمان تدفق العون والإمداد الصحي و الأنساني الى حين استقرار الأوضاع من اجل تخفيف المعاناة وضمان الامن الصحي للسودان والمنطقة.
* المدير التنفيذي، الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية ( امفنت)