روسيا 2024 .. من هو الرئيس القادم؟
د.حسام العتوم
09-12-2023 01:37 PM
أتحدث هنا في الشأن الدولي وبكل ما يتعلق بالإنتخابات الرئاسية الروسية القادمة عام 2024، وتحديدا بتاريخ 17/ أذار / 2024 التي حددها مجلس الأتحاد الروسي برئاسة فالنتينا ماتفيينكا و بقرار رفيع المستوى . وتستمر الأنتخابات لعشرة أيام على بسبب مساحة روسيا الواسعة جدا و التي تجاوز 18 مليون كيلومترا مربعا ، و التي ينتظر المشاركة فيها نسبة عالية من مواطني روسيا الأتحادية القطب و الدولة العظمى ، و بشغف كبير أيضا ينتظرون معرفة من هو الفائز القادم بالكرسي رقم 1 في قصر " الكرملين " الرئاسي في العاصمة موسكو، وهو خبر عالمي غاية في الأهمية خاصة للولايات المتحدة الأمريكية و للغرب الذين يتمنون عدم ترشح الرئيس بوتين للأنتخابات المنتظرة ، و أملهم كبير بصعود شخصية مرتبكة وهادمة على غرار بوريس يلتسين . و أثناء طباعتي لمقالي هذا أعلن الرئيس بوتين اليوم الجمعة بتاريخ 8/ 12 / 2023 عن عزمه الترشح للإنتخابات الرئاسية الروسية عام 2024 على هامش تقليد أوسمة رفيعة لعسكريين روس كبار أيدوا ترشحه. وبطبيعة الحال يسبق الأنتخابات الرئاسية الروسية انتخابات برلمانية ( غرفة الشعب) ، و تجهيز لغرفة الأعيان . و جرت العادة أن تجري الأنتخابات التشريعية في منتصف شهر سمبتمبر . و كانت أخر انتخابات برلمانية جرت عام 2021 . وفي البرلمان الروسي نصف مقاعده حزبية ، ومنذ عام 2012 أعفيت الأحزاب من جمع التواقيع .
بعد قدوم الرئيس بوتين للسلطة عام 2000 تراجع وهج الحزب الشيوعي الروسي الذي كان حاكما في العهد السوفيتي بين 1924 و 1991 و تحول لجبهة معارضة سياسية صديقة لقصر الكرملين ، وحقق نسبة برلمانية بين عامي 1995 و 1999 35% من أصوات النواب ، و لقد أصبح ترتيبه برلمانيا الثاني بعد حزب روسيا الموحدة الحاكم الذي حقق عام 2003 ما نسبته 38% من أصوات النواب . ومنذ عام 1990 جرت في روسيا سبعة انتخابات رئاسية و برلمانية ، و صدف مرة واحدة الذهاب لجولة انتخابات رئاسية ثانية . و لأول مرة منذ اندلاع العملية الروسية العسكرية الخاصة الإستباقية التحريرية الدفاعية بتاريخ 24 / شباط / 2022 تشارك في التصويت الرئاسي الأقاليم الأوكرانية السابقة التي حررتها روسيا بين عامي 2014 و 2023 ، وهي ( القرم ، و دونيتسك و لوغانسك " الدونباس " و خيرسون و زاباروجا ) ، وهي اضافة نوعية في الأنتخابات لصالح الرئيس المتوقع ترشحه للمرة الرابعة بين عامي 2000 و 2024 ، و هو الذي ترك جولة انتخابية رئاسية عام 2008 للرئيس دميتري ميدفيديف احتراما للدستور الروسي الذي ينص على ضرورة أن يخلي من يرشح نفسه لجولتين رئاسييتين أن يخلي الجولة الثالثة ، و يحق له العودة للترشح من جديد لجولتين رئاسييتين جديدتين .
و يبلغ بوتين من العمر 71 عاما و صحته ممتازة و هو رياضي يمارس الجودو ، و قوي الشخصية ، و يتمتع بكاريزما متميزة وسط النخبة السياسية رفيعة المستوى في روسيا الأتحادية . و أثبت حكمته في التعامل مع الملفات الداخلية و الخارجية الدولية . و لازال المواطن الروسي يأمل من سيادته في المقابل أن يلتفت للداخل بما يتعلق بالرواتب و التقاعدات الحكومية ، و أسعار المحروقات ، و التموينية ، و لضعف الأنتاج الوطني على مستوى الجودة ، و لسبب غياب تعبيد الشوارع الداخلية في مدن الدرجة الثالثة ، و للسياحة الروسية التي تصدر الأفواج لتركيا و الأمارات و غيرها من دول العلم و لا تستقطب مثلها الا من دول محدودة مثل الصين، و للحاجة لنظام بنكي يسمح لبطاقات الصراف الألي الحصول على المال من الخارج ، و لضرورة انتاج هواتف نقالة و مركبات روسية عالية الجودة ، و لضبط الفساد ، وهو الممكن ملاحظته في العديد من دول العالم . و الرئيس بوتين قبل التحدي و في صدارة بلاده العظمى روسيا في موضوع ما تسمى تضليلا الحرب الأوكرانية ، بينما هي أوكرانية غربية و غرب أمريكية بالوكالة و مؤامرة هدفت لتشجيع " كييف " على بيع أوكرانيا بسوق الجملة للغرب الأمريكي ، و لأمريكا بالذات الكارهة لروسيا ، و التي لا تتمنى لها أية نجاح و تضمر لها الشر .
لقد رشح بوتين نفسه لرئاسة قصر "الكرملين " لثلاثة جولات رئاسية بعد تسلمه القيادة من سلفه يلتسين عام 2000، و أحدث فرقا شاسعا في النجاحات لدرجة أنه عرض على " الناتو " ادخال روسيا عضوا فيه بقصد لجم الحرب الباردة و سباق التسلح و العودة للتنمية الشاملة المشتركة ، وهو ماقابلته أمريكا بالصمت الماكر ، و لا يوجد ما يمنع ترشحه من جديد للمرة الرابعة ، و لا منافس حقيقي له حتى الساعة ، و هو قادر على قيادة بلاده الناهضة حتى عام 2036 بجدارة إن لم تحدث مفاجأت ، و يخطيء من يعتقد في المقابل ، بأن بوتين ترك العمل في جهاز مخابرات دولته ، وهو الذي عمل مديرا له ، فالرئيس الروسي هو قائد الجيش الأعلى و الأجهزة الأمنية ، ووصول الرئيس بوتين للأمارات و السعودية بطائرة روسية رئاسية مصفحة ترافقها طائرات سلاح الجو الروسي من فوق الأجواء الإيرانية ، و استخدامه هناك لسيارته المصفحة الخاصة التي جلبها معه ، وهكذا يفعل في زياراته الخارجية عادة ، و مرافقة حرسه الخاص من طويلي القامة المخلصين له ومن فئة التدريب المحترف دليل على أهمية الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة لبلاده العظمى . و تأخذ روسيا بعين الأعتبار ما يحاك له في الغرب و تحديدا في أمريكا من مؤامرات تمس شخصه أيضا ، و الرئيس بوتين حامل رسالة عالم متعدد الأقطاب التي نجحت في الرد على تغول رسالة أحادية القطب بقيادة أمريكا ، و التي بدأت تتاكل و تتراجع هيبتها بسبب تغولها على قضايا دول و شعوب العالم ، و لتشجيعها للظلم و الظالم ، تماما كما تفعل عندما تساند نظام " كييف " و تياره البنديري المتطرف للنخر في الدولة الروسية بحجة حاجته لإعادة استقلال بلاده الذي أضاعه بنفسه عبر رفض الحوار و اتفاقية "مينسك " و الأصغاء لمؤامرة أمريكا عليه و على روسيا معا . وكما تساند ( إسرائيل ) في عدوانها السافر على الشعب الفلسطيني و التسبب في استشهاد أكثر من 18 الف انسان نصفهم من الأطفال ، و غيرهم تحت الأنقاض .
موقف الرئيس بوتين من حرب غزة و ادانته لحرب الإبادة التي تنفذها ( إسرائيل ) علنا وسط الفلسطينيين أصحاب الأرض و القضية العادلة واضح و شجاع ، و سيادته كان أول من وجه بلاده روسيا عبر مجلس الأمن للمطالبة بوقف القتال الدائر منذ بدايته فورا ، و هو الذي قوبل بفيتو أمريكي مدان تسبب في اطالة الحرب ووقوع عدة الاف من الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي غالبيتهم العظمى من أهل غزة . و بوتين هو من وصف الإعتداء الإسرائيلي على غزة بحصار ليننغراد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، و يطالب وكذلك روسيا بدولة فلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس الشرقية الى جانب ( إسرائيل ) لكي لا تتكرر حرب غزة المأساوية من جديد ، وهو خطاب الخارجية الروسية ذات الوقت . و تعتبر روسيا – بوتين حماس تماما كما العرب حركة تحرر فلسطينية إسلامية مناضلة ليست ( إرهابية ) كما تصفها ( إسرائيل ) و ينعتها الغرب الأمريكي غير العادل .
وفي الختام يمكنني القول هنا بأن بوتين الرئيس القادم بكل تأكيد عام 2024 عازم على النصر الأكيد في حربه مع نظام " كييف " و الغرب الأمريكي مع بلاده في زمن عدم القدرة من طرف " كييف " على المحافظة الأستقلال الذي منح لها من قبل الأتحاد السوفيتي وفقا لإتفاقية واضحة لا تسمح بالتحالف مع الجانب المعادي مثل الناتو . و روسيا المعاصرة قادرة على ذلك ، و هي ماضية بهمة الرئيس بوتين لترسيخ مفاهيم و برامج عالم متعدد الأقطاب يلغي أحادية القطب الذي ثبت فشل سياساته الدولية . و روسيا حاليا وفعلا تشكل ميزانا استراتيجيا قويا ضابطا لتقلبات السياسة و الأقتصاد و العسكرة العالمية ، و يصعب تصور العالم من دون دورها الحميد و مواقفها الدولية الحكيمة.