الأمم المتحدة .. أن تكون أو لا تكون
د. رجائي حرب
09-12-2023 12:01 PM
لا يمكن إنكار أن العالم اليوم محاصر بالأزمات المعقدة والتي تشرف في كثير من الأحيان على جر العالم إلى حروب تقض مضجع الانسانية جمعاء ويمكن أن تعود بالبشرية إلى عصورٍ غابرةٍ يخسر فيها الجميع كل شيء. ولهذا فقد أجمعت دول العالم على خلق منظمة دولية تستخدم لغة الحوار والدبلوماسية بديلاً عن الحروب والاقتتال بينها ودون استخدام لغة الإقصاء لأيٍ من الأطراف
وكون هذه الحروب والصراعات ليست بالجديدة على بين دول العالم إلا أن منطقها أصبح في كثير من الأحيان يرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو تغليب لغة الحوار أو الانصات إلى لجان المساعي الحميدة التي تعمل على تبريد الجبهات وتحفيف حدة الصراع
فمن الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات الكبيرة المتفاقمة في مجال الاقتصاد والأسعار والتضخم الذي يجتاح العالم، إلى أزمة الطاقة، والمجاعات التي تنهش في بدن الإنسانية ونحن في عصر التمدن والتكنولوجيا وسمو الحضارة الانسانية ونقص الغذاء، وأزمات المناخ. إلى فاجعة الانسانية جمعاء وما يحدث الآن في غزة من مجازر يندى لها جبين الوجود الانساني حيث يحدث فيها ما لم يحدث من قبل من سياسة الأرض المحروقة وقتل القانون الدولي الانساني بمقصلة العمليات الحربية
وما يزيد الطين بلة قوة الاستقطاب الدولي الذي يحدث والعنجهية المفرطة التي قسمت العالم والمواقف وسيدت سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية الخبيثة التي تقصي صاحب الحق إذا لم يصطف إلى جانبه أحد الأعضاء الكبار من الدول الخمس دائمة العضوية، الذين يحتكرون حق النقض الفيتو لتوجيه صوت العالم كيفما يشاؤون
وكما ينحاز العالم إلى الأقوياء ينحازون أيضاً إلى الاهتمام بقيمة الصراعات التي يتعاملون معها ويتناسون أزمات الصغار، ولا حتى يثيرونها على المستوى الدولي، وتبقى مقولة أنهم - لا بواكي لهم - هي السائدة في عالم الكيل بمكيالين، وهذا ما سيقود العالم إلى أزمة اضمحلال فرص العمل الجماعي المنشود الذي قامت من أجلة منظمة الأمم المتحدة، والذي بدوره سيمنع الوصول إلى حلول عقلانية للأزمات الراهنة والمستقبلية.
إن الأمم المتحدة التي يعول عليها كثيراً في حل الأزمات الدولية ما هي إلا مؤسسةً دولية تضم أعضاءاً دائمي العضوية، يصنعون القرار ويبلورون سياساتها، وغاية كل دولةٍ منهم هي تأمين أمنها الوطني الذي يعتبر أولويةٌ تفوق أولويات الأمن الدولي أو الاهتمام به، ما يخلق تعارضاً وتنافساً دائميْن بين مصالح الكبار يقودان إلى مزيدٍ من الأزمات.
وبالتالي فقد تم الزج بهذه المؤسسة الدولية ومجالسها وميثاقها والقوانين الدولية والانسانية الصادرة عنها في صراعات وحشية إلى درجة كبيرة جدا، هشمت دورها المنشود ما قد يؤدي في مرحلةٍ ما إلى نهاية هذه المؤسسة كما انتهت من قبل عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. فقد فشلت هيئة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وفشلت في تسوية الصراعات الدولية وخاصة تلك التي عصفت بمنطقتنا العربية، كاحتلال الكويت والحرب العراقية، والأزمة السورية، والخلافات اليمنية، وانهيار النظام في ليبيا، كما ويسجل بالخط العريض لها فشل مبعوثيها في إيجاد الحلول لهذه الصراعات وإيجاد نهاية سعيدة لها تضمن حق الانسان في العيش والأمن والسلام.
وتواجه قرارات هيئة الأمم المتحدة معارضةً كبيرة من بعض الدول الأعضاء عندما تتعارض هذه القرارات مع إرادتها، ولا يكتفوا بذلك بل يتعدى أحياناً إلى استخدام التصفية الجسدية لمسؤولي هذه المنظمة عندما يحاولون وضع المنظمة الدولية في مكانها الصحيح بحل النزاعات. فهذا ( الكونت برنادوت ) الوسيط الدولي للأمم المتحدة بين العرب واليهود والذي استطاع أن يحقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11/6/1948، والذي أراد أن يحجز دوراً مهماً للأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية، يتم قتله على يد عصابات الهاغاناه وأرغون بسبب اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية إلى فلسطين ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية. وهذا داغ همرشولد ثاني أمين العام للمنظمة والذي تدخل لإنهاء العديد من الأزمات في لبنان والأردن وانسحاب القوات الأميركية والبريطانية منهما وأدان العدوان الثلاثي على مصر، يتم قتله بتفجير طائرته وهو في طريقه للتفاوض في الكونغو عندما أراد أن يصنع دوراً للأمم المتحدة على الساحة االدولية.
ولا يستبعد أن يلقى الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش نفس المصير بعد مواقفه الشجاعة التي يحاول من خلالها أن يخلق دوراً للأمم المتحدة يرتقي فوق الأدوار الوطنية والذاتية، وبعد الهجوم الذي يتعرض له نتيجة مواقفه الداعمة لحقن الدماء ووقف الانهيار في الوضع الانساني في غزة
وفي نهاية القول فإن منظمة الأمم المتحدة تعاني من تقويض القانون الدولي داخلها بسبب المصالح الوطنية والذاتية للعديد من أعضائها، وبسبب التمترس خلف الغايات الخاصة والصلاحيات الممنوحة لبعض الدول على حساب الدول الأخرى كالعضوية الدائمة في مجلس الأمن؛ مما يوجب تعديلاً ضرورياً وعاجلاً لميثاق الأمم المتحدة وللصلاحيات الممنوحة للأعضاء كحق النقض الفيتو ولطريقة التصويت وبما لا يخترق القانون الدولي الانساني ولا يهدد الأمن والسلم الدوليين.