حكايتي مع عشيقتي التي افقدتني اعز اصدقائي ..
محمود الدباس - ابو الليث
09-12-2023 10:00 AM
كأي أردني نشأ وترعرع في بيئة اردنية محافظة.. وفي عائلة كان يرأسها رجل اردني وطني عسكري من قدامى المحاربين.. والذي كان يهتم بالمبادئ الوطنية والاجتماعية كحدود للتعامل والتفكير.. ولا يقبل بتجاوزها.. مع ترك الحرية لنا بالتعامل مع الحياة بمختلف نواحيها ضمن ضوابط الاخلاق والعادات والتقاليد..
فكان جميع مَن هم حولنا يتعاملون بمبدئ "العيب والحرام" كمحدد رئيس لأي تصرف.. وكان ديدننا في ذلك الحي "الجدعة" من مدينة السلط.. مسلمين ومسيحيين هو "أغض طرفي ما بدت لي جارتي.. حتى يواري جارتي مأواها"..
فتشكلت شخصيتي من كل ما كان يحيط بي من ضوابط ومبادئ وأخلاق وتعاملات.. واصبحت انظر للامور بشكل يتوأم مع ما تربينا عليه من عفة وأخلاق وطرق تعامل وتفكير متفتح.. يراعي احترام الذات والآخر على حد سواء.. ولا أقبل لغيري مالا اقبله على نفسي.. مع اعطاء النصح لمن هم حولي عن اي شيء اراه قد يضر بهم.. حتى وان لم يطلبوه.. وذلك من باب المحافظة عليهم كما أحافظ على نفسي..
لا أعلم هل هي من باب اطلاق الحرية للعقل بان يفكر بشكل منطقي.. ام هي من باب التجارب التي مررت بها.. والحالات والحوادث التي دخلت في حيثياتها.. فاصبح لدي حدس واستشراف لما قد يحدث.. الامر الذي جعلني كثيرا ما اعطي نصائح لمن اجد انهم قريبون مني.. ولا اقبل عليهم الانجرار في شيء دون اخذ الاحتياطات..
ففي الامور الاجتماعية.. كثير من الاحيان كنت اوصِل افكارا عن ما قد يصيب احبابي وأصدقائي نتيجة توافر بعض المقدمات والإرهاصات لامور مرت عليّ من خلال تجاربي الحياتية.. فكتبت مقالات وخواطر لكي انبههم عليها اذا ما وجدت ان الحديث المباشر قد يزعجهم.. لانهم لا يتقبلون الا ما يوافق اهوائهم ورغباتهم.. ويؤيد تصرفاتهم.. حتى وان كانت خاطئة مثل وضوح البدر في عين بدوي يعيش في الصحراء..
وللاسف.. وبعد الوقوع في المحظور.. تجدهم يعلمون بصحة ما قد نبهت عليه.. وللاسف ايضا.. تجدهم يكابرون في الاعتراف بخطئهم.. وسوء تقديرهم.. وقد يستمرون فيما هم عليه خشية اللوم او العتاب من محب لهم..
اما في الحياة السياسية.. كنت ومازلت اضع التنبيهات والاحتمالات التي في ظاهرها مختلفة عن المزاج العام.. والتي لا تلقى رواجا في اوساطٍ تتلذذ وتعشق دغدغة العواطف والمشاعر.. ولا يقبلون الا قول ما يريدون سماعة.. او قول ما يرددونه دوما.. مقرونا بعبارات الموافقة والتأييد..
لذلك لا اجد من الكثيرين الا الانتقاد والامتعاض.. ولا يكلفون انفسهم لمجرد وضع احتمال ولو بسيط لصحة ما اقوله..
حتى ان بعض الاصدقاء واجهوني بانهم متيقنون بانني احلل واتحدث من اجل تسجيل المواقف.. فيما لو ثبت بان ما قلته هو الذي سيحدث.. وليس من باب التنبيه واخذ الحيطة وضبط البوصلة الى الاتجاه الصحيح.. والتخطيط لاي واقع او حدث قد يخالف توقعاتنا.. خوفا من الانتكاسات التي قد نصاب بها جراء افراطنا وغلونا في الامنيات والتوقعات غير المحسوبة.. والتي قد تكون منافية للواقع.. وكأننا نعيش في عالم يسير وفق ما نريد ونخطط.. ولا مجال للاخذ بالحسبان ان غيرنا يخطط وينفذ ويمتلك ادوات كثيرة.. ويتعامل باساليب مشروعة وغير مشروعة.. ولا يراعي عهود ولا وعود.. ولا يتخلق باخلاق النبلاء.. وعنده الغاية تبرر الوسيلة.. واللي بتعرف كم ديته.. اقتله.. او حتى لا يدفع الدية..
هذا كله حدث ويحدث معي.. واظنه يحدث مع الكثيرين ممن هم على شاكلتي.. والذين اتخذوا من افكارهم وتحليلاتهم المبنية على الوقائع والمعلومات واحترام وتقدير ذاتهم عشيقة لهم.. حتى ان عشيقتهم هذه اصبحت السبب الرئيسي في ابتعاد الاصدقاء والاحباب عنهم.. فوقعوا بين نارين..
نار التمسك واتباع معشوقتهم.. بغض النظر عن موافقتها لأهواء وغرائز مَن هم حولنا.. ونار التخلي عنها وارضاء الناس ودغدغة عواطفهم.. لكسبهم الى جانبنا..
للاسف ان الحياة قصيرة.. وبيان صحة ما تقوله عشيقتي قد يأخذ زمنا طويلا.. الأمر الذي يفقدنا كثيرا ممن لا نحب فقدهم.. ولا نحب لهم الخذلان ولا الانتكاسات..
فحينها يكون قطار العمر قد فات.. وانكسر ما انكسر.. وضاع ما ضاع.. ولذة وسعادة الاخذ بالنصيحة تلاشت.. وتكون الصحوة وقتها لا فائدة منها.. وحتى لا قيمة تذكر لتسجيل المواقف على راي البعض فينا..
وفي الختام اقول.. كثيرون هم مَن يكذبون حتى يصدقهم ويتقرب منهم الناس.. ويكذبون ويكذبون ويكذبون حتى يصدقوا هم انفسهم.. فيغشون الناس ويغشون انفسهم.. وللاسف هؤلاء مَن اصبحت بضاعتهم رائجة..