أعادة هيكلة وزارة الاستثمار برؤية ملكية
أ.د تركي الفواز
08-12-2023 10:32 PM
يحظى موضوع الاستثمار باهتمامٍ كبيرٍ من قبل الجهات الحكومية والخاصة، إذ يُعَد الاستثمار الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي. وقد أظهرت الدراسات العلمية ارتباطًا وثيقًا بين معدلات الاستثمار ومعدلات النمو الاقتصادي، فضلاً عن تأثيره البارز على التنمية الاقتصادية ودرجة التنوع في الاقتصاد. بناءً على ذلك، يلزم على الحكومة وضع خطة جديدة لإعادة هيكلة وزارة الاستثمار وتعزيز إداراتها، وذلــك تـنـفـيـذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم بإعادة هيكلة الــوزارة لتتماشى مـع رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام.
ومن الضروري أن تركز هذه الخطة على دور وزارة الاستثمار كمرجع رئيسي ومختص في تنظيم وتنمية وتعزيز الاستثمار، سواء كان الأمر يتعلق بالاستثمار الأجنبي والمحلي. كما ينبغي أن ترتكز الاستراتيجية الوطنية للاستثمار على الاستفادة من الإمكانات للموارد المتاحة، بهدف خلق فرص استثمارية متنوعة في مختلف القطاعات الاقتصادية، من ثم، يجب تحديد الاستثمار في القطاعات الواعدة ذات الأولوية، مع مراعاة أهمية الحفاظ على الاهتمام بالقطاعات التقليدية، وذلك كجزء أساسي من استراتيجية تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
بناءً على رؤيتي، يبرز عدد من القطاعات الحيوية التي تُعتبر ذات أولوية وهي: اقتصاد الإبداع، والطاقة الخضراء، والرعاية الصحية، وقطاع السياحة، والشركات الناشئة المبتكرة، وريادة الأعمال. تأكيداً على ذلك، يُشير تايلر ديكسون، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في شركة سيتي، إلى وجود ثلاث قطاعات واعدة جاذبة للاستثمارات يمكنها أن تشكل الاقتصاد العالمي في المستقبل وهي: التطور التكنولوجي المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والرعاية الصحية، وتحول الطاقة الذي يتطلب استثماراً هائلاً في المناخ قد تبلغ قيمته نحو 125 تريليون دولار لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية في عام 2050. وفي هذا السياق، يتطلب تحديد القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية فهماً عميقاً للتطورات الاقتصادية واحتياجات الأسواق العالمية.
من هنا، يقع على مسؤولية الحكومة تعديل الأنظمة والقواعد المتعلقة بالاستثمار المحلي والأجنبي والشركات العابرة للقارات. وهذه الخطوات الضرورية ستعزز القدرة التنافسية للأردن كوجهة استثمارية مفضلة للمستثمرين، مما يُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.
فإعادة هيكلة الوزارة لا يؤثر على استمراريتها، فهناك تباين بين مفهوم "Downsizing" ومفهوم"Rightsizing". ففي مفهوم ال Downsizing يتم تقليص عدد الموظفين في الهيكل التنظيمي نتيجة لظروف اقتصادية صعبة تمر بها المؤسسة مما يضطرها لتقليص عدد الموظفين لتخفيض الكلفة وتحقيق الأرباح المستهدفة والمحافظة عليها. بينما مفهوم"Rightsizing" يتم التركيز على الهيكل التنظيمي وتحديد العمليات والموارد بشكلٍ يتناسب مع أهداف المؤسسة ومتطلبات السوق، لتحقيق الفعالية والكفاءة دون زيادة أو نقصان غير مبرر في العمليات وهذا سيعزز تعظيم الأداء وتحقيق نتائج إيجابية.
إن اعادة هيكلة وزارة الاستثمار تأتي بعدة إيجابيات، إذ تمكّن الدولة من استخدام الموارد بشكلٍ أفضل، والتركيز على الأولويات الرئيسية لزيادة الكفاءة والإنتاجية. كما تسهم في تحقيق أهداف استراتيجية جديدة بشكلٍ أفضل، مما يعزز قدرتها على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الاستدامة والتطوير.
بالإضافة إلى ذلك، تحفيز الابتكار والتطوير لتعزيز النمو، والمحافظة على العمالة من خلال تطوير الموارد البشرية المتاحة بدلاً من تقليص العمالة، وهذا سيؤدي إلى تحقيق الاستدامة والتطور الاقتصادي والاجتماعي للأردن.
فالرؤية الملكية في الاستثمار تقوم على تسريع عمليات التنفيذ، وهذا يأتي في ظل العالم المتسارع والمتغير باستمرار، إن إعادة هيكلة وزارة الاستثمار تُعَدّ الآن ضرورة في هذا العصر الحديث، إذ تحتاج إلى تبسيط الهياكل التنظيمية وإزالة الخطوات الزائدة، بالإضافة الى ذلك يجب تبسيط الإجراءات لجذب المستثمرين وتحقيق هدف نسعى اليه دائماً وهو جعل الأردن مركزاً إقليمياً واستراتيجياً للأعمال التجارية. وبناءً على ذلك، يتعين على الحكومة أن تلتقط التوجيهات الملكيّة السامية الجادة والمستمرة لتحفيز وجذب الاستثمار وإزالة كل العقبات والتحديات التي تواجه الاستثمار.