على نحو ما ستنتهي الحرب، وسيربح أحد الخصوم ولو كان الانتصار معنويا ضمن محددات مركبة تندرج في الانتصار الإعلامي وتحويل الرأي العام مثلا كما يحدث مع المقاومة، ولا أحد ينكر مدى إبداع المقاومة في الحاق الخسائر الكبيرة في الكيان المحتل، فما زال الشعب العربي يفتح فمه مما يحدث، فقد ضربته الدهشة في الصميم بكون النتائج كسرت بنى التوقع لديه، ولأنه عاش سنينا طويلة من الخسائر والهزائم التي لا تعد.
هل الهزيمة هي احدى أسباب عدم تصديق ما يحدث من انتصارات؟
أم أننا ارتكنا إلى مفاهيم هزيمة انسربت في روح الأمة!،
فما يحدث الآن في غزة يرقى إلى معركة للتحرير هذا ما يتناوله الناس وما رشح من أرواحنا على هيئة أمل سيزهر ولو بعد حين.
فقد اتسع الأمل ليصل إلى كل مناطق الأرض، هو ذاك الأمل الذي انسرب وفاض في حواس الأرض، فالانتصار على الظلم سيكون انتصارا للإنسان في كل بقعة في العالم، لقد تحسس العالم بقوة عجيبة حجم الألم الفلسطيني وما يمارسه الكيان الصهيوني من إبادة متقصدة، حيث شاعت الأيقونة الفلسطينية في الأرض "الكوفية" التي اعتبرت رمزا فلسطينيا عابرا للحدود، الكوفية التي حلجتْها الأمهات من أشكال ورق الزيتون وطائر فلسطين، فكانت الكوفية على كتف الأرض، فمن ارتداها فهو مناصر لفلسطين حيث وصلت إلى نجوم العالم منهم على سبيل المثال، النغني البريطاني روجر ووترز ونجم الكرة البرتغالي كريستيانو رونالدو والممثلة البريطانية تيلدا سوينتون والممثل الأمريكي كانييه ويست والامريكي كيفن أوكونور والناشطة الأميركية راشيل كوري التي قتلها جيش الاحتلال الصهيوني وغيرهم الكثير، لقد فاض العنف والقتل والابادة في ارض المقدسات فصار ترابها معجون بالدم والتهاليل، فأنا أخاف من غبطة الأمل،
فلا يغتر الإنسان بكثرة الأمل دون عمل، فمن يأمل في الانتصار لا بد له من العمل والاجتهاد والدأب لتحقيق الهدف، فما أنجزته المقاومة من حقائق في الميدان هو بمثابة امل وإن لم يكن قريبا، يقول الحسن البصري: " إن قوما غرتهم الأماني حتى رجوا من الدنيا ولا شيء لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
فالإنسان دون الأمل لا يستطيع أن يحيا، فالأمل أنيس الروح ودواؤها، لذلك، فإن ما يحمله اهل غزة ليس سوى رسالة لمخاطبة عقولنا وقلوبنا وهممنا، فحاول الغزّيون تقاسم الألم مع أشقائهم العرب لكنهم خُذُلوا ايما خذلان، لكنهم ما زالوا ينشرون الامل في كل لحظة من لحظات بطولاتهم الاستثنائية، والتي سطرت بالدم صورة لمجد لا ينضب، فقد حفّزونا على استعادة الحلم، من هنا كان لا بد للعالم أن يتعرف على الانسان الغزّي، واستطاع الغزّي أن يقدم نفسه اجرائيا بعيدا عن التنظير السياسي المقعر، لقد زرعوا الآمال الكبرى في نفوس الامة، وجرى الدم في عروقها كي تحلم وتحلم، فمن حصار طويل صنعوا أملا وزرعوا زيتونة يكاد زيتها يضيء، وأحيوا الذاكرة الجمعية في العالم، ذاكرة تقاوم ضد الظلامية والقتل، لم يتوقف الانسان الفلسطيني عن ممارسة الامل، فعلا سبيل المثال اختارت مهندسة العمارة سجى البرغوثي أن يكون مشروع تخرجها عن "إعادة تدوير معبر قلنديا بعد التحرير"، إذ حوّلته من مصدر للمعاناة إلى أمل جديد يضجّ بالحياة.
فقد سجل الإنسان الفلسطيني أسطورته الخاصة به، وصار مثالا للنضال في شتى بقاع الأرض، لكنني أخاف من تورمات الخطاب العربي الشعبوي الذي يلهج بأمل لا يمكن توصيفه، كما لو أننا على ظمأ من فكرة قد غابت طويلا، وأنا رغم تخوفي من مبالغات الأمل إلا أنني المتورط الأكبر في مبالغات الأمل والتعويل عليه.
أعرف أننا عطشى النصر، وأعرف كم تيبس من الروح، سنبقى نمجّد الأمل ونغرف منه مؤونة الحياة.