أفاقت الأرض في 7 أكتوبر 2023 على زلزال لم تتضح معالم أضراره للوهلة الأولى إلا بحجم ما تناقلته كاميرات التلفزة وحناجر الاعلاميين المذهوليين أمام هول ما يبثون، فالاجتياح أصاب الصغيرة المدللة للأمريكان بالشلل في عقر مستوطناتها القابعة في الجنوب الفلسطيني والذي يسمونه محيط غلاف غزة، فذلك القطاع المحاصر منذ أكثر من 16 عاما والذي تحول الى سجن كبير في الهواء الطلق، لم يستوقف ضمير ولا مسؤوليات صانع القرار الغربي ولا حنكته السياسية ولا قراءاته المستقبلية ليضع حدا لحالة الموت البطيء المفروضة بالقوة والقهر على حياة ما يقارب المليونين ونصف المليون فلسطيني على مساحة 360كم2.
لا تشكل المقاومة الفلسطينية في صورتها الحالية إلا وجودا حتميا للوقوف في وجه ممارسات القتل والقهر والتنكيل والتهجير التي يستخدمها الاسرائيليون لمحو الوجود الفلسطيني من الارض، لقد استطاعت المقاومة بتدريباتها العالية وخطتها المحكمة وسرية تنفيذ مهمتها أن تفاجىء دولة الاحتلال بسهولة الوصول الى المستوطنات في غلاف غزة، لتقضي بذلك على فكرة الأمن والاستقرار والحماية، التي يتمتع بها المستوطنون، متكئين بذلك على قوة الجيش والاستخبارات الاسرائيلية، وتضعهم أمام حقيقة أنهم أصبحوا اما أسرى أو نازحين من بيوتهم.
ولكن أمريكا، الراعي الرسمي للاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، والحامي لدولة الكيان، جاءت مهرولة بحاملات طائراتها وعدتها وعتادها لتحذر من تسوّل له نفسه التدخل في شؤون الحبيبة اسرائيل. اذ بدأت بإطلاق أفظع النعوت والصفات على فعل المقاومة الفلسطينة، متهمة اياهم بالهمجية والوحشية، وتجاوز كافة الحدود والمعايير الانسانية، متناسية، التاريخ الأسود للكيان الصهيوني، في تجاوزه للقوانين الدولية الانسانية المتعلقة بقوانين الحرب مثل اتفاقية لاهاي 1907، واتفاقيات جنيف 1949، وعدم امتثاله لأي من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحل الصراع العربي الاسرائيلي كالقرار 242 الذي يتحدث عن "انسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في حزيران 1967".
وعلى الرغم من تكاتف جهود الحكومات الغربية وأغلبية مؤسساتها الاعلامية التي أخذت على عاتقها تبني ونقل الرواية الصهيونية في إدعاء حق "الدفاع عن النفس" أمام هذه الهجمة المباغتة المزلزلة من المقاومة الفلسطينية، تماما كما رواها القادة الاسرائيليون ورددها بإصرار وتأييد قادة العالم الاستعماري الغربي، الا أن الشعوب الغربية التي بدأت تفيق على صدق الرواية الفلسطينية وعمق وأصالة الحق الفلسطيني في تحرير ارضه والدفاع عن حقه في الحياة والعيش الكريم والحرية وإقامة دولته الفلسطينية، جابوا شوارع عواصمهم ومدنهم وقراهم، ليس دفاعا عن العدالة الكونية في الحق الفلسطينيي وحسب بل ليدافعوا عن وجودهم وكرامتهم وانسانيتهم أمام الابادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال دون خجل ولا وجل أمام عدسات التلفزة وعلى مرآى ومسمع من العالم بأكمله في حق المدنيين الفلسطينيين على أرضهم.
إن آلاف الحشود والجماهير التي اكتسحت شوارع عواصم العالم الرأسمالي ومدنه مرددة الهتافات ضدّ آثام الاحتلال ومجازره التي يرتكبها بحق السكان المدنيين في قطاع غزة، اضافة الى آلاف الشخصيات الاعتبارية والمؤسسات الدولية، بما فيها بعض العاملين في مراكز القرار الأمريكي، قد دللت على أن العالم بدأ يصحو على مأساة الشعب الفلسطيني وعلى جرائم الاحتلال الاسرائيلي.
لقد هبوا أفرادا وجماعات، ليحرروا أنفسهم من عقدة الخوف ومعاداة السامية التي يوسمون بها في حال عدم ادانتهم لكل ما هو ضد الامتداد والغطرسة والوجود الصهيوني، لقد تعبوا من صمت القبور الذي مارسوه بحق الفلسطينيين على مدى عقود طويلة، واستحقوا الاحترام في انحيازهم الى الضمير الانساني غير عابئين إلا بالكرامة والحق والحرية للأفراد والشعوب المستضعفة والمحتلة.
فهل يمكن القول إن زلزال 7 اكتوبر كان انتفاضة لتحرير العالم؟!...