لأن هناك إسرافاً في إدعاء تمثيل نبض الشارع فإنه لا بد من وضع النقاط على الحروف والتنبيه إلى أن أي حزب سياسي حتى وإن كان بحجم حزب المؤتمر الهندي لا يستطيع بل لا يحق له ادعاء أنه يمثل شعباً بأكمله فهذه مبالغة مضللة وهذا اعتداء على الحقيقة والحقيقة أن الشعوب تمثلها برلماناتها المنتخبة وأن الأحزاب والتنظيمات لا تمثل حتى بطروحاتها ومواقفها السياسية وببرامجها إلاّ محازبيها ومعهم شريحة معينة من الشعب المعني الذي يجري الحديث خطأً عنه بأنه «الشارع» وأن نبضه هو نبض الشارع.
لا يجوز أن يدعي كل من استطاع تحشيد مظاهرة حتى من عشرة آلاف مشارك أن يدعي أن هؤلاء هم الشعب الأردني كله فالشعب الأردني عدده خمسة ملايين ويقيناً أنه بإمكان بعض الأشخاص العاديين أن يحشد ثلاثين ألفاً وأكثر من عشيرته أو من قبيلته أو منطقته للتظاهر إن هنا في عمان أو في أي مدينة رئيسية أخرى لكن ومع ذلك فإنه لا يحق له أن يدعي أنه يمثل نبض الشارع ولا تمثيل الأردنيين كلـهم.
ولعلم هؤلاء ,وهذا من المفترض أنهم يعرفونه جيداً, أنه مقابل «فارِدة» المسجد الحسيني الأسبوعية بالإمكان تسيير مظاهرة أكبر منها بعشرات المرات ويومياً فالشعب الأردني ليس هو هذه «الفارِدة» الأسبوعية فقط وهناك أغلبية قد لا تبقى صامتة إن بقيت الأمور تسير على هذا النحو الذي تسير فيه وإن بقيت الأقلية القليلة جداً قياساً بالشعب الأردني كله تظهر للعالم من خلال وسائل الإعلام على أنها هي «النبض» وأنها تمثل الجميع وأن ما تطالب به وتدعو إليه يمثل الأردنيين كلهم وأنه الحقيقة والواقع.
إنه من حق هؤلاء أن يتظاهروا وأن يصدروا البيانات وأن يعبروا عن وجهات نظرهم بالوسائل السلمية كما يحلو لهم لكن ما هو ليس من حقهم إطلاقاً هو إدعاؤهم تمثيل الشعب الأردني كله والتعبير عن وجهات نظره وهو اللجوء الى الضغط على من هم في مواقع المسؤولية بالتهديد والوعيد وبالاستقواء بالأجندات الخارجية التي ترتدي أثواب حقوق الإنسان والإصلاح والديموقراطية وهي في حقيقة الأمر مُسخَّرةٌ لخدمة تطلعات استعمارية جديدة في هذه المنطقة .
ليس كل الأردنيين تشغلهم الهموم ذاتها التي تشغل أصحاب «فارِدة» المسجد الحسيني الأسبوعية فأهل هذا البلد أول ما يهمهم هو الاستقرار وهو محاربة الفساد ليس في مؤسسات الدولة والقطاع العام فقط وإنما أيضاً في القطاع الخاص وفي الأحزاب والنقابات وفي الجمعيات الخيرية وهو توفير الوظائف لأبنائهم وهو التأمين الصحي والضمان الاجتماعي أما الحديث عن التعديلات الدستورية فإنهم ينظرون إليه بريبة ويعتبرون أن وراءه أهدافاً مشبوهة غير صادقة ولا سليمة.
إذا جرى استفتاء للأردنيين كل الأردنيين الآن فإنهم سيصرون على أن الاستقرار هو أولى أولوياتهم وعلى أن النظام الملكي الهاشمي لا بديل له على الإطلاق وأن الوحدة الوطنية خط أحمر لا يُسمح بالاقتراب منه وأن الديموقراطية لا تعني الاستقواء على هيبة الدولة وأنه لا يحق لفِئة أن تفرض وجهة نظرها على الآخرين من خلال الاستقواء بالأحداث الإقليمية وبالدعم الخارجي وأنه إذا اعتقدت جماعة أن بإمكانها تسيير مظاهرة من عشرة آلاف مشارك أو أكثر أو أقل فإنه بإمكان آخرين تسيير مظاهرة أكثر من عشرة أضعاف هذا العدد.
علينا أن نتحاور وأن يطرح كل طرف منا وجهة نظره بدون أن يحاول ابتزاز الآخر من خلال تهديد الأمن والاستقرار ثم وأنه على الذين يعتقدون أن بإمكانهم الاستقواء على الآخرين من خلال كل هذا الذي يجري في المنطقة أن يدركوا أن الأمور لم تتضح بعد وأن الأيام المقبلة ستكشف أشياء كثيرة.. وأن هذا الوطن يجب أن يكون فوقنا كلنا وأن الاستقرار هو نعمة هذا البلد التي سيحميها الأردنيون بقلوبهم وبحدقات عيونهم.. وبقبضاتهم أيضاً إذا لزم الأمر.
الرأي