مواقف مع د. عبد السلام العبادي رحمه الله
المهندس هشام خريسات
05-12-2023 07:28 PM
قبل 13 عاماً زرتُ الصرح التذكاري المقام في موقع معركة مؤتة بالمزار في الكرك، وكان الصرح الرخامي المكتوب عليه اسماء الصحابة الكرام قد تعرض للتخريب والتكسير وتناثرت اسماء الصحابة على الارض في حجارة مهشمة بين الاقدام، فساءني ذلك جداً، وكتبتُ مقالةً ناقدةً لوزير الاوقاف حينئذ الدكتور عبد السلام العبادي رحمه الله، وعنونتُ المقالة بعنوان استفزازي ساخط وهو: (لو كان وزير الأوقاف إيطالياً!) وتم نشرها في عدة مواقع اخبارية.
وصلت المقالة الى وزير الاوقاف وطلبني للمقابلة حيث اغلقت هاتفي ثلاثة ايام عانى فيها مدير مكتبه الامرين في الوصول الي واعلامي بضرورة الحضور ومقابلة معالي الوزير.
ذهبت الى الوزارة وعيون الموظفين مشفقة علي بما سيحل بي من غضب معاليه، ولما دخلتُ عليه قام الي وصافحني واجلسني بجانبه تماماً خلف مكتبه، ووضع امامي مخططات كبيرة الحجم لمشروع توسعة المقامات، وبدأ يشرح لي ما تم انجازه من عمل عظيم وما تنوي الوزارة من انجازه في القريب العاجل، وذلك بكل لطف وادب واحترام بل بحنان ودفء وكأنه اب يخاطب ابنه ويعاتبه، قائلاً لي: (تركت كل هذا يا مهندس هشام وهاجمتنا من هذه النقطة فقط؟! لماذا لم تتواصل معنا وتتحدث الينا بدل ان تنتقدنا في الصحافة بهذا الشكل ونحن ابوابنا مفتوحة لك ولكل الاعلاميين؟! وختم بقوله: انا يا ابني لستُ (ايطالياً) انا اردني عربي مسلم وافتخر بذلك، وانا والوزارة والدولة باعلى مستوياتها وعلى رأسها جلالة الملك حريصون كل الحرص على مقامات الصحابة والانبياء والاولياء ومشاريعنا في تطويرها متواصلة ومستمرة، وهذا بدعم شخصي ومباشر من جلالة الملك، وليس بدعم اجنبي او غيره) ..
كلمات خرجت من القلب ودخلت الى القلب، وكتفي ملاصق لكتفه وركبتي محاذية لركبته وكأنه يريد ان يعانقني بلطفه وحنانه وأبوته.
خرجتُ من عنده رحمه الله إنساناً آخر بقناعات مغايرة لما دخلت عليه بها، ومنذ ذلك اليوم كان خير أستاذ وشيخ وموجه، يهاتفني ويحدثني عن آماله وطموحاته في تطوير قانون الأوقاف وقانون الزكاة، ويكرمني رحمه الله بالصلاة عندي في مسجد الفيحاء في الشميساني عندما كنت أخطب الجمعة هناك لمدة خمس سنوات - قبل أن يتم منعي من الخطابة- وكنا نجلس بعد الصلاة في قاعة المكتبة نصف ساعة على الأقل بمعية الأستاذ عبد الله كنعان الامين العام للجنة الملكية لرعاية القدس يحدثنا رحمه الله من فيض علمه وواسع فكره.
عندما اقارن الدكتور عبد السلام العبادي رحمه الله -وهو من اكثر من تعاقب على كرسي وزارة الاوقاف مدة وعدد مرات- عندما اقارنه وزيراً ومسؤولاً واكاديمياً وباحثاً وعالماً واستاذاً ومعلماً ومربياً بغيره من المسؤولين، اجد ان الدولة الاردنية قد خسرت برحيله قبل ثلاث سنوات ونيف علماً من اعلامها ورجلاً صاحب قرار من الصعب تكرار مثيله.
رحم الله استاذي العلامة الدكتور عبد السلام العبادي واسكنه فسيح جناته!