يشكل التعليم المهني السياحي منذ بداية القرن الحالي واحداً من أهم القطاعات التنموية المستدامة للنهوض بالمجتمعات، وتحقيق فرص العمل والقضاء على البطالة، وتأتي هذه الأهمية معتمدة على تطور صناعة السياحة على المستوى الدولي، والتي تقود منظومة مستقبل الوظائف خلال العقود القادمة، وبسبب ارتفاع الطلب على الأيدي العاملة المدربة في القطاع السياحي والفندقي، وتبني أفضل معايير الجودة العالمية في إدارة الموارد البشرية من خلال تبني استراتيجيات تعليمية بمعايير جودة عالمية تستند على مسارات واضحة المعالم في التعليم المهني والتقني، وتؤدي إلى مخرجات ممميزة تلبي حاجات العمل في السوق العالمي المتزايد في الطلب بمجال صناعة السياحة والضيافة، من هنا يشكل التعليم المهني رافعة الدول في تحقيق التنمية المستدامة في ادارة مواردها البشرية، والأردن من الدول التي تبنت مفاهيم التعليم المهني في إدارة مواردها البشرية بناءاً على توجيهات واضحة المعالم من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، كما ورد في الورقة النقاشية الملكية السادسة ، وصاحب السمو الملكي الأمير الحسين ولي العهد الأمين، بالتركيز على التعليم المهني ومخرجاته الحيوية التي تلبي احتياجات فرص العمل على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.

يعد التعليم السياحي واحداً من أهم محاور التعليم المهني، ومنذ العقد الماضي تحولت مفاهيم التعليم المهني المستند على الجانب التدريبي، إلى تعليم مهني يستند على الجانب التدريبي والتعليمي جنباً إلى جنب، وهنا نشير إلى منظومة (BTEC) والتي ترمز إلى مجلس تعليم الأعمال والتكنولوجيا، Business and Technology Education Council والذي يصدر من شركة بيرسون Pearson في المملكة المتحدة، وتعد من أكبر شركات التعليم في العالم.

أصبحت عملية تجويد التعليم السياحي والفندقي أمراً جوهريا في الوقت الراهن بهدف تخريج الأيدي العاملة المدربة والمؤهلة وفق أحدث المواصفات القياسية والمعايير الدولية، لذا فإن الاعتماد على منظمومة التعليم المهني (BTEC) أصبحت حاجة ملحة، وخاصة مع الانتشار الواسع لهذه المنظومة في أكثر من سبعون دولة في العالم، وبناءاً عليه تبنت وزارة التربية والتعليم الأردنية، برامج التعليم المهني المستندة على (BTEC) من خلال تمكين منظومة التعليم في الأردن وفق تحقيق المهارات والكفايات للطلبة الملتحقين، لإكتساب المهارات النظرية والعملية جنب إلى جنب في مسارات التعليم الفندقي والسياحي، بما يسهم في البحث والإستقصاء ويطور مهارات التفكير والتعليم والتدريب السياحي والفندقي، لتمكين الطلبة الملتحقين ببرامج صناعة السياحة والضيافة من صقل مواهبهم وتلبية طموحاتهم، وخاصة مع التوسع المتزايد في صناعة السياحة والضيافة في الأردن ودول الإقليم التي تعتمد على الموارد البشرية الأردنية ذات الجودة العالية ضمن مخرجات أكاديمية مهنية وفق أعلى المواصفات والمعايير الدولية.

إن تطبيق معايير البرنامج الدولي (BTEC) في التعليم السياحي والفندقي سوف يسهم بإيجاد ثورة حقيقية في تحقيق أعلى معايير الجودة في مخرجات التعليم المهني السياحي ، بسبب أن هذا البرنامج يعطي الفرصة للطلبة في الجامعات بتغير أنماط التعليم الكلاسيكية التقليدية، ويصبح الطالب هو محور العملية التدريبية التعليمية، إلى جانب التركيز على التطبيقات العملية في التعليم السياحي والفندقي بنسبة تتجاوز 75% من برامج البكالوريوس في الإدارة السياحية والفندقية، مما يتطلب توفير أعضاء هيئة تدريس ومختبرات قادرة على مواكبة هذا التطور الكبير في نهضة التعليم المهني السياحي والفندقي.

يعتمد التعليم السياحي والفندقي ضمن مستويات التعليم المهني BTEC على سبعة مستويات مترابطة مع بعضها البعض، بدءاً من مرحلة التعليم الثانوي مروراً بمرحلة البكالوريوس والدراسات العليا، حيث تبنت وزارة التربية والتعليم في الأردن المســــــتوى الثاني ( للصف العاشر بواقع ٤٨٠ ساعة) والمســــتوى الثالث (للصف الأول والثاني الثانوي بواقع ٧٢٠ساعة) مما يشكل نهضة تنموية واسعة المجال في النهوض بالتعليم المهني في الأردن وفق أعلى المستويات العالمية، أما بقية المستويات لم يتم العمل عليها ضمن مفهوم واسع النطاق في الكليات والجامعات حيث أن المستوى Level 4 يعادل السنة الأولى لشهادة البكالوريوس في الإدارة السياحية والفندقية، والمستوى Level 5يعادل السنة الثانية من درجة البكالوريوس، والمستوى Level 6 يعادل درجة البكالوريوس، بما يوفر من معرفة ومهارات في صناعة السياحة والضيافة تعادل درجة البكالوريوس أو درجة الماجستير، بينما المستوى Level 7 يعادل الدراسة بعد التخرج، ويشمل نظام BTEC منظومة متكاملة من آليات التقييم المعتمدة على شروط معينة وفق هذا البرنامج المهني الدولي.

يسهم هذا البرنامج المهني في المجال السياحي والفندقي ، من تمكين الطلبة من الإلتحاق بسوق العمل السياحي مباشرة عند إنهاء جميع مستويات البرنامج او الإلتحاق بالدراسة الجامعية في مجال التعيم السياحي والفندقي ، حيث أنه من خلال هذا البرنامج يستطيع الطالب بعد الانتهاء من الصف الثاني عشر الالتحاق بسوق العمل مباشرة بعد الحصول على مزاولة مهنه من هيئة تنمية و تطوير المهارات المهنية و التقنية ، أو الالتحاق بالمستوى التالي في الجامعات والكليات التقنية التي تعتمد BTEC) ) وتشتمل منظومة BTEC في التعليم السياحي والفندقي على مهام عملية تحاكي سيناريوهات العمل في المنشآت السياحية والفندقية، بهدف تطوير المهارات العملية والتعليمية والعصف الذهني والتفكير النقدي، بإعتماد استراتيجيات تعليمية وتدريبية تقوم على مهام مثل: دراسات الحالة في التعليم السياحي والفندقي، أو المشاريع أو العروض التقديمية لمحاكاة المواقع السياحية، أو البحث أو التجارب العملية في مجال فنون الطهي، أو المهام القائمة على العمل في مجال الارشاد السياحي.

من هنا نضع الجامعات الأردنية أمام خارطة طريق واضحة المعالم في تبني مفاهيم التعليم السياحي المهني المستند على المعايير والمواصفات الدولية، وهذا سيشكل تحدي كبير جداً أمامها وخاصة أن وزارة التربية والتعليم تبنت هذا البرنامج حيث يلتحق ما يقارب 18 ألف طالب بهذا البرنامج وبعد أربع سنوات سيشكل 40% من الخريجين ضمن مسارات هذا البرنامج، والسؤال المطروح أين نحن بالجامعات من هذه البرامج وكيف سوف نستقبل هذه الفئة من الطلبة ضمن برامج التعليم السياحي والفندقي، طبعاً باستثناء جامعة الحسين التقنية التي بدأت تعمل على تطوير برامجها الأكاديمية وفق معايير التعليم المهني العالمي المستند على نظام BTEC في مجالات الهندسة – الأعمال – تكنولوجيا المعلومات – الزراعة – الضيافة – الشعر والتجميل – البناء – الفن والتصميم الوسائط الإبداعية – السياحة والسفر .

لذا يستوجب العمل على تطوير التناغم بين مخرجات وزارة التربية والتعليم ومدخلات الجامعات ضمن معايير التعليم المهني، وتطوير أسس التعليم الجامعي من تدريب وتأهيل أعضاء الهيئة التدريسية، وتوفير المختبرات، وكافة متطلبات هذا النوع من التعليم المهني ذي المعايير الدولية المرتبطة بمؤسسة بيرسون العالمية والتي تعمل في أكثر من 70 دولة في العالم، وأيضا إيجاد بنية تشريعية لأسس القبول الجامعي، من هنا نضمن تطوير مخرجات تعليمية تتواءئم واحتياجات سوق العمل في الوقت الراهن.

*أ.د ابراهيم الكردي – كلية السياحة والفندقة / الجامعة الأردنية فرع العقبة.