يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون".
وعن رسول الله صلّ الله عليه وسلّم- أنّه قال: "للشهيدِ عند الله سبع خِصال، يُغفَرُ لهُ فى أوَّلِ دُفعةٍ من دَمِه، ويُرَى مَقعدَهُ من الجنةِ، ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمانِ، ويُزوَّجُ اثنينِ وسبعينَ زوجةً من الحُورِ العينِ، ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمَنُ الفزعَ الأكبرَ، ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوقارِ، الياقُوتةُ مِنهُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُشفَّعُ فى سبعينَ إنْسانًا من أهلِ بيتِهِ".
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: " عسقلان أحد العروسين، يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا، لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منه نقاء بيضاء يسرحون في الجنة حيث شاءوا ". أخرجه أحمد في مسنده.
على حافة عالم آخر، يدور بفلك آخر أقرب ما يكون إلى السماء، في كوكب آخر، يطلق عليه كوكب غزة، تبدأ لحظةُ التسامي فوق كل غرائز الدنيا، حيث الإشراق والنور وسط ظلام المعاصي والشهوات في كوكبنا، تبدأ تلك اللحظة بإنسان تجسدت فيه كل معاني الصدق والوفاء، فقدم روحه لله تعالى، هو العبد في أرقى وأبهى صور العبودية هو المحب الصادق في حبه فاستحق أن يكون مسجود الملائكة يوم خلقنا، جاء أجله يوم موته فأبى الله إلا أن يختم له بتاج الشهادة.
هم كثيرون هناك، ونحن لا نختلف عنهم في شيء سوى أنّهم يمضون في الدنيا باحثين عن الله لا عن الجنة لأنهم يعلمون أنه حيث ما يوجد الله توجد الجنة، حتى إنهم لا يكترثون للجنة لأن كل ما يريدونه هو لقاء الله تعالى الذي يشفي ويزيل من قلوبهم ألم الدنيا وسنين احتلال وسجن ومجاعة وتهميش، إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار لقاء الله، وذاك العبد قدوتهم، وهم يسيرون إلى الله في كل حين، يعيشون لله وبالله لا يضرهم شيء، حتى من خالفهم، طيفُهم مضيء وطلتهم لا تأتي إلا بخير ونقاء، وفهم أعظم من أن يصفهم إنسان عادي.
صحت أحاديث كثيرة بينت أن شفاعة الشهيد مقبولة في سبعين من أهل بيته، وهذا لا يمنع من أن يطلب الشهيد الشفاعة في غير أقاربه، أما قبول ذلك فإلى الله عز وجل، فكيف بعائلات كاملة ارتقت إلى جنان السماء؟، وكيف بمن كان سبباً في إيمان آخرين؟، فالنظرة الإيجابية للإسلام في الغرب عموماً رغم المليارات التي أنفقت، والحملات القوية التي نُظّمت طيلة العقود الماضية للتخويف من الإسلام وتشويه صورته وصناعة ما يسمى “الإسلاموفوبيا”. فقد مسح أهل غزة كثيراً من هذا وأظهروا صورة ناصعة مشرقة للإسلام، من خلال آلاف مقاطع الفيديو التي ظهرت لهم وتم تداولها وترجمت للغات كثيرة على مستوى العالم، وهم يحتسبون بصبر ويقين ورضا ما جرى لهم عند الله، كما أن الصورة الناصعة التي لم يرها العالم من قبل للتعامل مع الأسرى الإسرائيليين أبهرت العالم أيضاً، وقد دفع هذا كثير من الغربيين للبحث في الإسلام وقراءة القرآن ثم دخول الناس في دين الله أفواجاً.
اختلطت دماء الشهداء الطاهرة الزكية على أرض فلسطين كسنابل نور من شعاع مقدس، من بيت المقدس الأغلى إلى جنة عرضها السموات والأرض. أيها الشهداء إقروا منا السلام وقدموا التحية وصافحوا كل طفل وشاب وشيخ، وكل فتاة، وجميع من قدموا وضحوا أرواحهم طاهرة زكية في سبيل الله وفداءً لقدس الأقداس، فأنتم الأحياء عند ربكم ترزقون، وأنتم لم تجدوا من ألم القتل إلا كما يجد أحدنا مس القرصة، بينما نحن نموت في اليوم مئة ألف مرة.
في غزة يشتمون رائحةَ الموت كأنها رائحة الجنة ممزوجة برائحة اللقاء، ومع نسمة الهواء الباردة والطقس المتقلب تقلب الخريف، جل الغزيون وفي قرارة أنفسهم ما يلبث الدعاء يخرج من أحدهم، يا رب اجعلها بردا وسلاماً، حتى يتبدل تماماً ويصبح يا مرحباً بلقاء الله ويا للهفتي وشوقي لذاك اللقاء الذي لَطالما حلُمت به.
أهل غزة أحبوا لقاء الله.. فأحب الله لقاءهم، شهداء نراهم واقفين كلٌ على نَجمته، سعداء بما قدموا أرواحهم في حواصل طيرٍ خضرٍ في قناديل معلقةٌ بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت، يوضع على رؤوسهم تاج الوقار، وعليها الياقوت، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ثم يطلع الله عليهم اطلاعا فيقول هل تشتهون شيئاً؟ فيقولون: يا رب ما نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء، فيسألهم مرة ثانية وثالثة فيعلمون أنهم لن يُتركوا فيقولون: يا رب ردنا إلى الدنيا مرة أخرى فنقتل في سبيلك. ومن عظمة الشهادة وعظم ثوابها كان النبي صلّ الله عليه وسلم يقول - وهو يتمنى الشهادة: "وددت لو أنّي أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا، لما يرى من مكانة الشهداء".
كان عبد الله بن حرام حين يقول: رأيت في النوم قبل أُحد كأني رأيت مبشر بن عبد منذر، وهو من شهداء بدر- يقول لي: أنت قادمٌ علينا في هذه الأيام، فقلت: وأين أنت؟، قال: في الجنّة نسرح فيها كيف نشاء، قلت: ألم تُقتل يوم بدر؟ قال: بلى، ثُم أحييت. فقص عبدالله بن حرام ما رأى على الرسول صلّ الله عليه وسلم، فقال: "هذه الشهادة يا أبا جابر".
أثبت الشهداء أن غزة اقصر طريق إلى الجنة، ونسأل الله أن تطالنا إحدى كرامات الشهداء على أرض فلسطين.