الفلسطيني العربي .. في أفكارهم
أمل محي الدين الكردي
03-12-2023 09:17 PM
عندما نبحث في الفكر الصهيوني وافكاره التي بناها على الشعب الفلسطيني ،نجده متلفعا بعباءة القومية العربية ,وليس فقط بالاسم الذي أطلقه الرومان على بلاده ،ففي كلا الحالتين لا يبدو للفلسطيني حظاً موفور من الانسانية او الحضارة أو أمكانية التقدم .
لا ينبغي ان نتوقع صورة جميلة للعرب او تعاطف معهم .وذلك من خلال كتاباتهم منذ فجر التاريخ الذي بدء بالتفكير بفلسطين الجريحة التي لم يشفى جراحها الى اليوم .أن التراث الاستعماري الاوروبي قد أوجد القاعدة الفكرية لهذا التصور ،إذ أنه أستباح الاوطان دون أن يقيم لسكانها وزناً أخلاقياً أو أنسانياً ،أو حتى عضوياً.ولأن الصهيونية وليد استعماري للحركة القومية في اوروبا ،فقد ورثت هذه الاستباحة دون أن ترى فيها غضاضة أخلاقية أو انسانية .الشعوب لم تكن هامة لانها لم تكن عقبة .وحتى عندما كانت عقبة فعلى نحو مضحك في ضالته وبدائيته.كان نشر الحضارة هو الرسالة التي صاغ مضامينها الفكر الاوروبي ليبرر الحركة الاستعمارية ،وقد تضمنت خلق حق أخلاقي على أصحابها ،وخلق الحق الطبيعي من أصحاب الارض التي تم احتلالها .وهذا هو بالضبط ما قصده هرتزل عندما كتب في يومياته أن الصهيونية ستنشر الحضارة في ذلك الجزء البربري من أسيا . وفيما بعد أدرك المفكرين الصهيونيين انهم لا يمكن أن يتجاهلو العرب الفلسطينين الى الابد .فلجاؤا الى صور وافكار ومقولات مختلفة .في عام 1891م كتب أحاد هاعام طبعا هو اسم على ما اعتقد تنكري لاحد رواد الفكر الصهيوني هذه العبارة الصاعقة (العرب رجال صحراء همج ،أناس جهلة لا يرون ولا يفهمون ما يجري حولهم وفي وقت ما،عندما يكون شعبنا قد نما الى حد أنهم سيبداؤون بدافع السكان الاصليين جانباً ،فسوف لن ينزاح هؤلاء بسهولة ).
بالطبع لم يكن ممكناً ان يبقى عربي فلسطين بدوياً الى الابد في الفكر الصهيوني .ونلاحظ ان التغيرات التي طرأت على صورته كانت تنجم دائماً عن اصطدام صهيوني قاسي بالواقع الحي .ومع كل خطوة وفترة زمنية كانت صورة الفلسطيني تزداد وضوحاً عبر حقيقة وجوده العضوي ومع كل هذا كان الفكر الصهيوني مدعو دوماً لأن يعيد صياغة هذه الصورة على النحو الذي يبرر المشروع الصهيوني أخلاقياً وتاريخياً وحضارياً .ومع بداية الثمانينات القرن الماضي ،تحول الفلسطيني من بدو مترحل الى فلاح .والقصص المثيرة والكثيرة ضلت مجموعة متعددة في الفكر الصهيوني فثمة صورة أخرى للفلاح الفلسطيني : العطالة .وكان اول من افتتح هذا النعوت مناحيم اوسيشكين أحد رواد الفكر الصهيوني ،عندما وصف العرب بأنهم (كم مهمل).لكن جوزيف باراتز يعطينا تفاصيل هامة ففي كتابه قرية جانب الاردن والذي كتب الكثير عنهم بشيء لا يليق بهم،ولكن هؤلاء الفلاحين الذين ترفعوا عنهم وكانوا مثيرين للشفقة والازدراء ،هم أنفسهم الذين نهضوا عام 1936م في فلسطين وحتى عام 1938م يتصدون بلا انقطاع للاستعمار الانكليزي والصهيوني .ولم نقف بالوصف عنده بل الفليسوف أ.د غورديون وبوروخوف ،عندما اكد بأنه لن تظهر حركة قومية خاصة بهم لأنهم يفتقرون الى الشخصية الحضارية والاقتصادية الخاصة بهم ولا يمكن أن يكونوا أمة ولن يكونوا مؤهلين للقيام بمعارضة فعالة. فلا بد أن يندمجوا مع اليهودية ويكونوا جزءً منهم .
لم أستطع أن ادون بهذا المقال الكثير والكثير من الوصف ولكن في هذا السياق ،اضيف أن هذه التصورات الكثيرة والمثيرة تضمنتها رسالة تيودور هرتزل عام 1899م وبعث بها الى يوسف الخالدي محافظ القدس وعضو البرلمان العثماني طلب الى حاخام باريس أن يوعز لهرتزل بصرف النظر عن فلسطين كوطن قومي لليهود .فكتب له فقال : من الذي يرغب في ازاحتهم (العرب). أن احوالهم وثرواتهم الخاصة ستتضاعف بفعل مجيئنا اتعتقد أن عربياً يمتلك ارضاً بفلسطين او منزلا ثمنه ثلاثة او اربعة الاف فرنك سيكون آسفاً اذ يرى قيمته تزداد خمسة او عشر اضعاف ؟لكن هذا حتماً سيحدث مع مجيء اليهود .وهذا فقرة من الرسالة المختصرة والتي كان لها ابعاد في الفكر الاستعماري ؟
ولكن الفلسطيني المقاتل كان شيئاً أخر في الادبيات والفكر الصهيوني ولكن عبارة الفكر الصهيوني فضفاضة اذا قورنت بالفكر الالماني او الاغريقي او الفكر الاسلامي اننا هنا إزاء فرضيات وحسب رغم تنظيمها الدقيق ،ونظرة ضيقة الى الانسان والحياة يحترمها العنصر الاسطوري والموقف العرقي حتى ليغدو القبول بها مسألة مزاجية لا علاقة لها بالمحاكمات العقلية التي يتصف بها فكر ما.
والحقيقة أن فكرة العربي الاسير الآسر موضوعه شائعة في الكتابات الاسرائيلية ولكن هذا التيار النقيضي بحاجة الى دراسة فكرية رصينة عربية مترجمة الى لغات متعددة للعالم لتطلعهم على هوية العربي وما يجب معرفته من الحقائق المؤكدة عن الاستعمار الصهيوني وجرائمه الذي يستهدف تدمير العرب والفلسطينيين ونحن اليوم نقف أمام العالم ليرى هذا الاستعمار على حقيقته ولكننا فقدنا الانسانية الدولية التي تؤمن بحقوق الانسان أمام الشعب الفلسطيني وما يحدث له اليوم أمام أعيننا .فما علينا فعله الكثير ..ولكن السؤال الذي يبقى يراودنا الى متى ؟..
يبدو أنه كلما تنفس الوطن العربي الصعداء ،وقلنا جميعاً الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ،وجدنا أنفسنا – نحن العرب – مرة أخرى نتردى في هوة سياسية عالمية أكثر سوءً ،لا يدرك كل أبعادها الا المتخصصون في فهم الشؤون الدولية متعددة الأبعاد.
أي مستقبل ينتظر الجيل الجديد ؟هذه الحياة في بيوت من صفيح وقماش وبرد وشتاء .هذا الشقاء الذي يخلق جيل يثأر لهذه القسوة ،ولكن لن يكون هناك اطفال ،بل سيكون هناك جيل قاسي لا عواطف له.
ويعود الشعب العربي –رغم الألم والكدر –حالماً بمستقبل أفضل يضلل أبناءه . هذا الأمل الذي نرجو أن تجسده الايام القادمة لنا.