من ليبيا يأتي الجديد .. (5)
سلطان الحطاب
01-03-2011 03:53 PM
عشت سنوات خمساً في ليبيا وقد شهدت تشكيل اللجان الثورية التي دمرت البلاد وحكمت الناس بالإرهاب وفتتت الشعب الليبي وقضت على موروثه الثقافي والفكري والحزبي وحولت الليبيين إلى قطيع حاكم وقطيع محكوم.. إذ لا محاكم ولا قضاء ولا دستور ولا مؤسسات ولا مرجعيات.. لقد جرى تحطيم كل ذلك.. وجرى تنصيب الجهلة على المتعلمين حين أقام العقيد نظرية الزحف التي تحولت إلى نكته إذ كانت مجموعات من الجهلة الموالين للأجهزة الأمنية تزحف على الدوائر والمؤسسات لتطرد من يقودونها باسم أنهم رجعيون فيجلس مكانهم أميون غير متعلمين ولا حتى حاملي شهادات واذكر ان احد مدراء التربية في بنغازي ممن زحفوا وجلسوا مكان مدير التربية المخلوع لم يكن يحمل شهادة وحين سؤل ان كان معه (شهايد) جمع شهادات باللهجة الليبية اجاب نعم عندي شهادة الميلاد!!
ومثلهم من زحفوا على الاذاعة ومؤسسات الصحة وغيرها...
كما انني اذكر ان جواز سفري الذي سلمته من اجل وضع الاقامة عليه في بنغازي حين عملت في التربية وقبل أن انتقل الى الإعلام قد اختفى في دائرة الجوازات والاقامة لأكثر من عام.. وقد كنت راغبا ان اسافر في اجازتي الصيفية وبقيت اراجع الدائرة التي انكرت انني سلمته رغم انني اظهرت ايصالا بذلك وقد قيل انني اخذته وقد احسست حينها بالقهر وطالبت مقابلة مدير الجوازات في منطقة البياصة فلم يسمح لي وحاولت أكثر من مرة ونجحت أخيراً فدخلت إلى مكتبه..
كان يلبس ملابس تقليدية ويجلس على مكتبه ويكتب..لم ينتبه لدخولي..نظرت إليه وإلى المكتب ووصل نظري إلى أرجل الطاولة التي كان يجلس إليها لاحظت أن احدى أرجل الطاولة قد اسندت بشيء ليمنع اهتزازها كانت امامه كومة من الجوازات فلمع في ذهني ان ما يسند الطاولة قد يكون جواز سفري المختفي منذ عام..وفي لحظة قصيرة جداً هي جزء من الثانية اتخذت قراراً ان انحني لأسحب هذا الشيء الذي يسند الطاولة دون ان أستأذن او اطلب لأنني أعلم أنه سينكر..وبالفعل عبرت بسرعة وانحنيت قبل أن يصرخ بالقول «شنو» شنو هاذا!! وسحبت الجواز الذي فقد غطاؤه من الوسخ ملامحه ومسحته وفتحته فإذا به جواز سفري ولم توضع عليه الاقامة فقلت جئت آخذ جواز سفري..ها هو ومددته عليه ولكنه ظل يصرخ ويضرب الطاولة وينادي على الحارس ويستدعي الشرطة وكل جريمتي أنني أقول له لقد وجدت جواز سفري..فقال: «لا أنت جيت تزحف علي»..قلت له أنا لست ليبيا لأزحف أنا شامي (يسمون كل من جاء من بلاد الشام شامي) أنا أردني وهذا جوازي انظر.. فرفض.. وجاء الشرطي ليأخذني بتهمة مهاجمة مدير القسم..إلى أن وجدت من فهم قضيتي بعد ان جرى تحرير محضر عن عدوانيتي لأنني استرجعت جواز سفري..هذه القصة كنت أرويها لجلالة الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه ونحن في معيته في الطائرة إلى بغداد لحضور آخر احتفالات لعيد تأسيس الجيش العراقي.. اما القصة الأخرى فعن رئيس الوزراء عبدالكريم الكباريتي الذي كنا نحضر معه عشاء في منزل الملك الراحل قال وكان الملك يحمل عصا لأن قدمه انزلقت في الحمام..يا سيدي العقيد معمر القذافي طلب أن يخاطب الشعب الأردني من تلفزيوننا..فاطرق الملك قليلاً ورفع رأسه وهو يمد الملعقة في صحن الشوربة ونظر إلى الكباريتي مبتسماً وقال: شو الأخ العقيد بدو يقنع الشعب الأردني من مقابلة.. صارنا سنوات طويلة ويا دوب..الله يحييه أعطيه ما شاء من المقابلات والأحاديث وضحك!!!
مثل هذه القصص تكررت حين جاء العقيد إلى عمان .. كان الحصار ما زال مفروضاً على العراق .. كان ذلك في زمن حكومة الرئيس علي أبو الراغب .. وكان يرافقه في الزيارة من جانب الحكومة السيد عيد الفايز وزير العمل آنذاك وقد أهداه العقيد مجموعة من النياق بمناسبة وقد احتار فيها عيد الفايز.. وليلتها بقينا نركض مجموعة من الأدباء والكتاب والصحفيين وراء العقيد بعد أن طلب اللقاء فمن المدينة الرياضية حيث تجمعنا بعد الظهر إلى شاطئ البحر الميت حيث قيل لنا انه سيلقانا إلى عمان..ثم الديوان الملكي حيث أصر أن تبنى له خيمة في رحابه..وقد كان اللقاء سيئاً حين جرى نقد مداخلاته عن السلام بعد ان اتهم من قاموا بعملية السلام بالخيانة وعن المسجد الأقصى حين قال: «ليهدموه أنه حجارة سنبني غيره» وأذكر أن الشاعر حيدر محمود امتنع أن يلقي أمامه قصيدته وقد استفزت العقيد أسئلتي وأسئلة الزميل رمضان رواشدة فطلب أن يسمع ربابه بدل كلامنا الذي اعتبره استفزازياً وقد كان له ذلك وكان طيلة الوقت لا ينظر الينا وإنما إلى سقف الخيمة فقد ظل يحرص أن لا يجلس تحت أي مبنى وقد قيل أن ذلك بسبب أن عرافة قالت له أن سقفاً سيقع على رأسه إذا ما استهدفه أحد بالإغتيال!!
alhattabsultan@gmail.com