"ستبقى بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس الشريف ولن نحيد عن الدفاع عن مصالحها وقضيتها العادلة"، "من أقوال جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش السامي 12/10/2023".
إن القضية الفلسطينية كانت دوماً في الصدارة وشكلت محوراً أساسياً في كافة لقاءات وخطابات جلالة الملك منذ تسلمه سلطاته الدستورية حيث أن جلالة الملك طالما ما نادى بضرورة إنهاء الإحتلال والوصول إلى سلام دائم مبني على الشرعية الدولية المستندة إلى حل سياسي على حدود عام 1967، ولطالما حذر جلالته من تفجّر الوضع في حال غياب هذا الحل السياسي وإستمرار السياسات والممارسات الإسرائيلية المستفزة تجاه الشعب الفلسطيني، وهذا ما حصل بالفعل في 7 أكتوبر.
ومنذ بداية العدوان الهمجي والآثم على غزه، كانت مواقف جلالة الملك متقدمة وثابته وجريئه في زياراته المكثفة إلى العديد من مراكز صنع القرار كما في خطاباته الهامة في شتى المنابر العربية والدوليه، حيث كان يتحدث بصوت الحق، ويّذكر بضمير الإنسانية، وكانت الرسالة واضحة تجاه جرائم الحرب والعقاب الجماعي والدعوة إلى ضرورة الوقف الفوري للحرب وإيصال المساعدات الإنسانية والرفض القاطع لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين.
وقد ساهمت جهود جلالة الملك بشكل كبير في تغيير مواقف دول وازنة تجاه العدوان على غزة وعلى الشعب الفلسطيني، حيث كانت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالته قوية وصلبة في إيصال الرسالة حول جذور الصراع والعوامل التي أدت إلى 7 أكتوبر، والتأكيد كما دوماً على أن الحل الأمني والعسكري لا ولن يحقق السلام في المنطقة.
كما وأسهمت اللقاءات القوية والبليغة لجلالة الملكة رانيا العبدالله على قناة CNN في تسليط الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في غزه نتيجة قتل الأبرياء وفي تبديد السردية والرواية الإسرائيلية حول أصل الصراع حيث كانت جلالة الملكة واضحة أنه لا حق لمحتل بالدفاع عن النفس، وتحدثت جلالتها بإسهاب حول الإزدواجية في المعايير الأخلاقية والإنسانية تجاه حرب الإبادة والقصف العشوائي والعقاب الجماعي للأبرياء، وخاصة من النساء والأطفال.
كما وكان سمو ولي العهد على رأس الجهود الأردنية في تقديم كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية والمستشفيات الميدانية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وقد أشرف شخصياً على إيصال المعدات والأجهزة لتجهيز مستشفى ميداني في مدينة خان يونس.
وفي خضّم الحراك السياسي النشط والمكثف لجلالة الملك فقد كانت عينه أيضاً على الجبهة الداخلية وضرورة الإسراع في الإصلاحات الإقتصادية والإدارية وكانت المتابعة الحثيثة والتوجيهات الملكية للحكومة بضرورة تسريع وتيرة الإنجاز في هذه المجالات كما كان واضحاً إصرار جلالة الملك على تحفيز القطاع الخاص وهو يتابع وسمو ولي العهد أدق التفاصيل مع كافة الأطراف، وذلك للتعامل مع التحديات الماثله أمام الأردن والقطاعات المختلفة نتيجة الأزمة الحالية.
وكانت التوجيهات الملكية للحكومة جلية خلال اللقاء المطول قبل بضعة أيام لللجنة المالية والإقتصادية في مجلس الأعيان مع الفريق الإقتصادي الوزاري حيث عرض الفريق برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية على اللجنة السيناريوهات المختلفة التي وضعتها الحكومة للتعامل مع الأزمة الحالية والخيارات المتاحة والكلف لهذه الخيارات.
وتبين لنا بأن الحكومة تتبع منهجية موضوعية في التعامل مع هذه التحديات، كما تعي الحكومة حجم التباطؤ في النشاط الإقتصادي في القطاعات المختلفة نتيجة الظروف السياسية أو العوامل النفسية أو بسبب مقاطعة بعض المنتجات، وتم التباحث مع اللجنة في جوانب الصناعة والتجارة والسياحة والطاقة والنقل والمياه وتم طمأنة اللجنة المالية والإقتصادية بوجود مخزون إستراتيجي كافي للطاقة والمواد الأساسية.
وفي جانب العلاقات الثنائية تم إستعراض الجهود الملكية في الحصول على المنح والمساعدات والتوقيع على العديد من الإتفاقيات بهذا الخصوص مؤخراً، الأمر الذي يثبت أن علاقة الأردن مع الدول المانحة هي علاقات مؤسسية وراسخة.
ومما لا شك فيه بأن المرحلة الحالية تزداد صعوبة الآن مع تجدد العدوان الغاشم وإستمرار حالة الحرب مما سيؤثر بشكل متزايد على كافة النشاطات الإقتصادية ومن أهمها القطاع السياحي والقطاعات المرتبطه به، وسيكون هناك تداعيات أخرى متمثلة بإنخفاض حجم الحوالات الخارجية، وإرتفاع كلف الطاقة، وضعف القوة الشرائية، وإنخفاض الإستثمار وجميعها عوامل ستنعكس سلباً على النمو الإقتصادي وزيادة معدلات البطالة.
وبالطبع فإن هذه التداعيات ستتعمق في حال إستمرار الحرب وإتساع أمدها ورقعتها.
وفي ضوء ذلك، أجد من الضرورة بمكان قيام خلية العمل في الفريق الإقتصادي بإجراء دراسة علمية حول أثر هذه العوامل الضاغطة بناءًا على متغيرات مختلفة وسيناريوهات إختبار الضغط، وأثرها على الإقتصاد الكلي (stress testing scenarios) ووضع الحلول للتعامل مع هذا الظرف الإستثنائي والتحوط اللازم للحفاظ على الإستقرار المالي والنقدي وهما الركيزتين الأساسيتين التي يجب الحفاظ عليهما.
إما ونحن على أعتاب دراسة ومناقشة موازنة عام 2024، فيجب مراجعة كافة بنود هذه الموازنة بشكل دقيق من جانب فرضيات الإيرادات ومن جانب بنود الإنفاق كافة، إن كانت الجارية منها أو الرأسمالية.
وفي ظل محدودية الموارد المالية، يجب التركيز الكامل على حصافة هذا الإنفاق وتوجيه النفقات الرأسمالية فقط للأولوليات والمشاريع الوطنية الهامة والتي تشكل قيمة مضافة للإقتصاد الوطني وتكون موّلدة لفرص العمل.
كما يجب إعداد خطط لدعم القطاعات الإقتصادية المتأثرة ضمن الإمكانات المتاحة والحفاظ على التواصل والتنسيق المستمر مع القطاع الخاص بهذا الخصوص.
والعمل على تشجيع الصناعة الوطنية وتشجيع الصادرات، وتوفير كافة البدائل التمويلية الموجهة للتصدير كون هذا القطاع مشغل للعمالة وأيضاً مورّد للعملات الأجنبية.
إما في القطاع السياحي، فيتوجب التركيز بشكل أكبر على السياحة العلاجية وسياحة المؤتمرات والمعارض.
إما في جانب التمويل، فإن للبنوك دور هام في إعادة هيكلة وجدولة القروض وخاصة للقطاعات الأكثر تضرراً.
لقد أثبت الموقف الأردني بأنه موقف صلب ومتماسك نتيجة التناغم ما بين القيادة والحكومة والمؤسسات كافه وفي قوة ومتانة الجبهة الداخلية في الوقوف خلف جلالة الملك.
وليس أدّل على ذلك من النشاطات المختلفة والحراك المبادر والنشط لدولة رئيس مجلس الأعيان مع كافة وسائل الإعلام المحلية والخارجية، وأيضاً حراك أعضاء مجلس الأعيان لإيصال الرسالة، كما هو الحال في مجلس النواب، والموقف الشعبي الأردني الداعم.
خلاصة القول، بأن الدولة الأردنية بقيادتها وكافة مؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية قد أثبتت مرة تلوَّ الأخرى بأنها دولة فاعلة وقادرة على مواجهة التحديات والأزمات، بل إنها قادرة على تحويل بعض هذه التحديات إلى فرص والخروج من الأزمات أشد صلابة وأقوى عزماً.
حمى الله الأردن قيادته وشعبه.
العين سهير العلي