حزمة افتراضية إن توفرت الجدية للحل
د. مروان المعشر
01-12-2023 12:07 PM
تبدو الشروط المطلوب توافرها لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أقرب إلى التعجيزية منها إلى أية ظروف واقعية، إذ أن أحدا من الأطراف المعنية، بمن في ذلك إسرائيل والفلسطينيون والولايات المتحدة والمجتمع الدولي ليس لديه الرغبة أو القدرة أو الشرعية للدخول في عملية سياسية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
مع ذلك، فقد بدأت ترشح معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة، كما غيرها، بدأت بالتفكير بعملية سياسية، بعد توقف الحرب على غزة، كما أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن مجددا التزامه بحل الدولتين، وحتى لا يبقى هذا الالتزام شعارا ترفعه الولايات المتحدة، من دون وجود فرصة لتحقيقه، وحتى لا ننجر مرة أخرى لعملية سياسية لا متناهية، من المفيد البدء بطرح وجهة نظر مختلفة، في ما يمكن أن يشكل حزمة مقبولة للجانب الفلسطيني والعربي، من دون ذلك، أخشى أن يبقى تفكير الولايات المتحدة محصورا بأطر سابقة استنفدت، أي محاولة للعودة لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية مفتوحة الأمد لا تنتهي، بإنهاء الاحتلال وحصول الفلسطينيين على دولتهم المستقلة.
فإن كانت الولايات المتحدة لا تزال بصدد الترويج لمثل هذه الطروحات التي تتجاهل ما حصل بعد 7 أكتوبر، فالأفضل أن تتم مصارحتها بعقم مثل عملية كهذه، لأن أحدا ما عاد مقتنعا بأن مثل هذه الطروحات ستؤدي إلى أية نتيجة إيجابية.
ومع اقتناعي بعدم وجود فرصة لعملية سياسية جدية، لعل من المفيد إيراد ملامح خطة تعالج الأسباب الرئيسية للصراع، بدلا من العديد من الخطط السابقة العقيمة، وتؤدي إلى إنهاء الاحتلال، فما عاد مقبولا رفع شعار حل الدولتين، من دون إدراك ما المطلوب القيام به لتحقيق هذا الحل:
تعلن الولايات المتحدة، ومن خلال اللجنة الرباعية، أو الأمم المتحدة، أن الهدف النهائي للمفاوضات هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية خلال مدة محددة من ثلاث إلى خمس سنوات.
تتم المفاوضات على أساس الخطوات الواجب اتخاذها للوصول إلى هذا الهدف وليس حول الهدف نفسه، وتشرف اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، روسيا، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) على المفاوضات لضمان تقدمها وتحقيقها، هدف إنهاء الاحتلال خلال المدة المحددة، وذلك بطريقة الهندسة العكسية (reverse engineering)، أي العودة للوراء من خلال تحديد الهدف أولا، ثم الخطوات المطلوبة لتنفيذه.
يلتزم المجتمع الدولي باعترافه بدولة فلسطين على أساس حدود عام 1967، ومن خلال قرار ملزم صادر عن الأمم المتحدة قبل بدء المفاوضات، حتى لا تماطل إسرائيل وتحاول كسب الوقت كما فعلت في السابق.
تجري انتخابات جديدة في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لإفراز قيادات جديدة تلتزم بإنهاء الاحتلال، ولديها الشرعية المطلوبة للتوقيع على مثل هذا الاتفاق. ففي حين تشير كل الاستطلاعات إلى أن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي فقد أغلبيته في الكنيست بشكل كبير، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تستطيع ادعاءها تمثيل الفلسطينيين، من دون إجراء انتخابات جديدة لتحديد من يستطيع التكلم باسم الجانب الفلسطيني.
تبدأ عملية إعادة إعمار غزة بالتعاون مع المجتمع الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ضمن هذه الحزمة المتكاملة، مع ضمان عدم قيام إسرائيل بتدمير البنية التحتية، كما فعلت مرات عديدة في السابق.
يشكل صندوق دولي لدعم الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، منعا للتهجير القسري الذي يعلن المجتمع الدولي أنه ضده.
من الواضح أن عناصر الخطة هذه طموحة للغاية، ولكنها تكاد تمثل الحد الأدنى لما هو مطلوب، إن اراد المجتمع الدولي حقا إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. إن غياب مثل هذه الإرادة الدولية مصحوبا بالتعنت الإسرائيلي، هو ما يجعل تنفيذ خطة مثل هذه شبه مستحيل.. وإن السيناريو الأكثر واقعية للمرحلة المقبلة من الصراع يتمثل بما يلي:
تواصل إسرائيل تعنتها ورفضها إنهاء الاحتلال، ويواصل المجتمع الدولي دعمه اللفظي لحل الدولتين، من دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيقه.
تتجه الأمور نحو الصراع المسلح بين حكومة إسرائيلية لا تتورع عن القتل الجماعي للمدنيين، تساندها جماعات المستوطنات المتطرفة والمسلحة التي بدأت منذ الآن بعمليات للتطهير العرقي للفلسطينيين، وجيل فلسطيني جديد يؤمن بشكل متزايد بالكفاح المسلح بعد أن فقد الأمل بانسحاب إسرائيل من أراضيه المحتلة، وتحقيق تطلعاته الوطنية على أرضه، خاصة وقد بات مقتنعا بأن الكفاح المسلح أجدى له من عملية تفاوضية سياسية لا تنتهي، ولا تؤدي إلى نتيجة. لقد بدأت بالفعل هذه المقاومة المسلحة في الضفة الغربية قبل أشهر من عملية 7 أكتوبر، وستستمر وتمتد على كامل التراب الفلسطيني.
تتزايد الأغلبية الفلسطينية الحالية داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، خاصة أن كل امرأة فلسطينية تنجب أربعة أطفال بالمعدل، مقابل ثلاثة أطفال لكل امرأة إسرائيلية، حتى يصبح نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الحالي واضحا للمجتمع الدولي.
مع تلاشي الأمل بإقامة الدولة الفلسطينية ورفض الفلسطينيين البقاء تحت الاحتلال إلى الأبد، يبدأ الفلسطينيون المطالبة بالحقوق المتساوية، على غرار ما حدث في جنوب افريقيا عن طريق إعادة هيكلة الدولة الجديدة، وليس عن طريق الذوبان في الدولة الإسرائيلية.
ترفض إسرائيل هذه المطالبة، كما فعلت جنوب افريقيا، وتواصل تطبيقها لنظام الفصل العنصري وحكم الأقلية للأغلبية، بينما تحاول باستمرار التهجير العرقي للسكان، وتواجه بموقف فلسطيني صارم ورافض للهجرة، يسانده موقف أردني ومصري يبقي الحدود مع الفلسطينيين مغلقة حتى لا تفرغ الأرض الفلسطينية من سكانها.
يتبلور رأي عام دولي مع الزمن لا يقبل بالأبرتهايد ولو متأخرا، تماما كما لم يقبل بالأبرتهايد في جنوب افريقيا ولو متأخرا أيضا.
يحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ديمغرافيا، ربما على شكل الاتحاد البلجيكي أو السويسري، بحيث يحقق الفلسطينيون تطلعاتهم القومية والوطنية والسياسية من دون أن تنصهر هويتهم في تلك الإسرائيلية.
من الواضح أن ليس هناك من حلول سهلة أو سريعة للصراع طالما يقبل المجتمع الدولي بالاحتلال، فإن واصل هذا المجتمع تجاهله لأصل الصراع، فسيضطر للتعامل مستقبلا ليس مع الاحتلال فحسب، ولكن مع الأبرتهايد. يعلمنا التاريخ نتيجة ذلك في النهاية.
القدس العربي