الهدنة في الحروب ليست للعسكريين
صالح الشرّاب العبادي
01-12-2023 11:56 AM
من يعتقد ان الأطراف المتنازعة ، جيش الاحتلال الاسرائيلي وقوات المقاومة كانت في هدنة او ألتزمت في الهدنة فهو مخطيء، الهدنة بالنسبة لقوات المقاومة وجيش الاحتلال هي فقط تخص إسكات فوهات الأسلحة أياً كان نوعها برية ، جوية ، بحرية ، وان لم تسكت في بعض الاحيان ، اما باقي العمليات العسكرية فهي مستمرة ..
في الهدن بين الأطراف المتنازعة تتوزع المهام من اعلى القيادات إلى أصغرها ، مهام القيادات الأعلى هي مراجعة شاملة للعمليات السابقة ، القادة يراجعون معظم الخطط ويقوموا بإقرارها او التعديل عليها او تغيرها . وذاك بناءاً على مراجعة كافة الدروس العسكرية والنتائج على الارض ، وهذا ما يتم تزويدهم به الجهات الاستخباراتية والمخابراتية من تحديث كامل للمعلومات التي تستمر الاستخبارات الامامية والقريبة من أرض المعركة بتزويدها وتمريرها ، وكذلك المعلومات التي ترد من الإستطلاعات الجوية والتصوير الجوي لقوات كل طرف عن تحركات وتجمعات ومواقع كل طرف ..
على المستوى القوات في أرض المعركة ، والتي توقفت عن الحرب والحركة ، تتوقف في أماكنها التي استولت عليها ، ومن ثم تقوم بتحسين مواقعها الدفاعية واعادة التنظيم في التموضع والسيطرة واحتلال مواقع حيوية وهي بالمصطلح العسكري هي المناطق التي إذا احتلها المهاجم يصبح المدافع عاجز عن خوض معركته الدفاعية ، وكذلك السيطرة على المواقع المهمة وهي المناطق التي تساعد وتسهل في العمليات المستقبلية واحتلال واستطلاع مناطق اخرى ..
وهذا ما شاهدناه من تحركات للقوات الاسرائيلية في تحركات عديدة وكثيرة ايام الهدن ..
على مستوى الاستخبارات ، ان القوات على الارض والقادة على مستوى قائد كتيبة وادنى فهو الاجدر بتقييم الوضع في موقع قواته ، وان ضباط الاستخبارات والاستطلاع في المواقع الامامية هم أيضاً الاجدر على تقييم الموقف الاستخباراتي..في أرض المعركة وقوات الطرف الاخر ..
تجتهد القوات المتنازعة في كل طرف بمراقبة الطرف الآخر بكل دقة متناهية، الاعداد ، التحركات ، أنواع الأسلحة ، مديات الأسلحة، مواقعها ، مناطق تركيزها ، اتجاهات الاليات ، اتجاه توجيه المدافع ، مناطق التزويد ومناطق الاخلاء والإنقاذ ، وطرق التزويد..
في حرب غزة واثناء الهدنة .. وبما انه لا مقارنة عسكرية بالمعنى الحقيقي للأسلحة والمعدات القتالية ، فان القوات الإسرائيلية كانت تراقب كل المتحركين على الارض ، ومناطق تواجدهم واماكن اختراقات الهدنة ، وتوزيعاتهم ، وتجمعات المدنين والنازحين ، وكذلك مراقبة المستشفيات والمساجد ومعظم المراكز التي ممكن ان يتجمع بها المدنيين .
القوات الاسرائيلية كانت تستخدم عمليات التصوير الجوي ومتابعة قوات المقاومة في معظم غزة ..
اثناء الهدنة قامت القوات الإسرائيلية بجمع وتحديد بنك اهداف حسب الاولوية وحسب الاهمية وحسب ما حصلوا عليه من استخبارات معلوماتية عن قوات المقاومة.
في المقابل لم تكن المقاومة في غفلة فهي تحركت في معظم قطاع غزة الشمالي وحددت مواقع قوات العدو ، وحددت مواقع جنوده ، وقامت المقاومة بعناصرها العسكرية والمدنية. والاستخبارات لديهم جمع المعلومات الكافية عن قوات العدو .
ان قوات الاحتلال الاسرائيلي المدافعة والتي مضى على دفاعها مدة تجاوزت أثنى عشر يوماً وهي ما يعرف بفترات الانتظار الطويلة والتي عادة ما يصاب فيها الجنود بالملل والضنك والتراخي والتعود على الاستراحات والاستسلام الى التفكير بالعائلات والأبناء والحياة الاجتماعية المدنية والتي من شأنها ان تدخل أنواع الندم والتردد لديهم ، ومن ثم احتمال عدم التحمل والرفض وفي بعض الاحيان الهروب من أرض المعركة ، وخاصة انهم يقاتلون من غير هدف محقق وبدون عقيدة صادقة او مؤمنة بالقضية التي يقاتل لاجلها ..وهذا ما ينطبق بالضبط على قوات الاحتلال في غزة ..
شعور الجنود بانه لا نهاية للحرب وانها حرب مستمرة ومن المحتمل ان يقتلوا في اي لحظة فهو كفيل بان يكون هناك انفلات وفوضى في استخدام الأسلحة بهدف الانتقام ، وهذا ما تقوم به القوات الإسرائيلية الان في قطاع غزة.
ان ظهور المقاومة في لباسهم العسكري وتنظيمهم ووجودهم بين اهلهم وبين المدنين في غزة في اوقات تسليم ومبادلة الاسرى ، اثار حفيظة اسرائيل المحتلة واستخباراتها ، واكد لديها ان المقاومة ما زالت في اوج قوتها ونشاطها ..
بعكس الجنود في القوات الإسرائيلية فهم بعيدين عن بيوتهم وعائلاتهم وهذا ما يشعرهم بالعزلة والغربة .. مما يؤدي بهم إلى عمليات إنتقامية خارجة عن قوانين وأخلاقيات الحروب .
في جميع خطابات القيادات السياسية والعسكرية في المجلس العسكري الإسرائيلي لم تتبدل خطاباتهم بالتهديد والوعيد ومعاودة استئناف الحرب بالرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة وتدخل الوساطات وهذا كان له اهداف عدة اهمها ابقاء الجنود على استعداد دائم للقتال، وعدم الركون إلى ما يشاع من نتائج مفاوضات والوصول إلى وقف اطلاق النار.
لم ينجح الوسطاء وبالرغم من الضغط الدولي بأثناء اسرائيل المحتلة عن استئناف الحرب والعودة مرة أخرى إلى القتل لاهلنا في غزة والتدمير للأعيان المدنية والخدماتية ..
اخيراً ومرة اخرى ان الاهداف التي وضعتها القيادة السياسية في اسرائيل وامرت بها القوات على الارض لتحقيقها ، فهي تحتاج إلى عدة سيناريوهات، اما القصف الكلي الشامل وعمليات عسكرية نوعية من شأنها قتل المدنيين والاسرى والمقاومة على حد سواء ، او احتلال كامل غزة والإحاطة بها من كل الجهات وحشر كل القطاع والبدء بالتفتيش والتدمير قاطع قاطع .. على امد بعيد ، او اغراق الانفاق بالمياه او القاء قنابل غاز قاتلة بعد تعيين فوهات الانفاق وهذا من شأنه قتل كل من هو داخل الانفاق .. او التهجير القسري للقطاع خارج غزة ، والسيناريو المحتمل ، مواصلة الحرب واحتلال غزة جزء ، بعد جزء ، والتهجير من الشمال إلى الجنوب ، من اجل القضاء على المقاومة.. والتي ستقاتل ببسالة واحتراف وستلحق بالعدو خسائر فادحة تفاجئ بها العالم .
وجميع هذه السيناريوهات لا تحقق الاهداف التي وضعتها القيادة السياسية في اسرائيل .
الان سيزداد الضغط الدولي وستكون هناك حراكات سياسية ودبلوماسية ضخمة من اجل وقف الحرب وحتماً ستكون تلك المفاوضات صعبة جداً ، حيث لن تتوقف الحرب الا بمفاوضات يقبلها الطرفين ..
* عميد ركن متقاعد
*كاتب ومحلل للشؤن العسكرية والسياسية